من كتاب مع الله
(الله الستير)
مع فضيلة الشيخ الدكتور سلمان العودة (حفظه الله)
الحلقة: 86
30 صفر 1442ه/ 17 أكتوبر 2020م
«الستير» من السَّتْر، والسَّتْر: الإخفاء.
ويأتي الستر بمعنى المنع، كما في الحديث: «مَنْ ابتُليَ من هذه البنات بشيءٍ فأحسن إليهن، كنَّ له سِتْرًا من النار».
وورد هذا الاسم الكريم «الستير» في السنة من حديث يعلى بن أُمية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يغتسل بالنهار بلا إزار، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الله عز وجل حَيِيٌّ ستِّير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر».
وقد اشتهر اسم «الستير» عند بعض الناس بأنه الستار، حتى تسمَّى به أناس، بالإضافة إليه، وهو قريب في اللفظ والمعنى.
مِن الطريف أن أحد الفضلاء وقع له حادث في سيارته، حيث انقلبت في الطريق، وحضر الناس لإنقاذه وإنقاذ أسرته وهم يهتفون كالعادة: يا سَتَّار، يا سَتَّار. فأطلَّ عليهم برأسه من حيث هو، وهو يصحِّح لهم ويستدرِك عليهم ويقول: قولوا: يا ستير، قولوا: يا ستير. رحمه الله وغفر له.
وورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن، فقال لهما ابن عباس رضي الله عنهما: «إن الله سِتِّير يحب الستر، كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حِجال في بيوتهم؛ فربما فاجأ الرجلَ خادمُهُ أو ولدُهُ أو يتيمُهُ في حَجْره وهو على أهله، فأمرهم الله عز وجل أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمَّى الله عز وجل، ثم جاء الله عز وجل بعد بالستور، وبسط عليهم في الرزق، فاتخذوا الستور، واتخذوا الحِجال، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أُمِروا به».
و«الستير» روايتان: إحداهما: كسر السين وتشديد التاء مكسورة «السِّتِّير»، والثانية: فتح السين وكسر التاء مخففة: «السَّتِير».
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بالستر، كما ورد عند أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: «اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك أن أُغْتَال من تحتي».
والله سبحانه وتعالى هو «الستير» يستر على عباده ولا يفضحهم في المشاهد، ويحب من عباده السَّتر على أنفسهم، واجتناب ما يشينهم، محبٌ لتارك القبائح، ساتر للعيوب والفضائح.
وهو الحييُّ فليس يفضح عَبْدَهُ *** عند التجاهُرِ منهُ بالعِصيانِ
لكنهُ يُلقي عليه سِتْرَهُ *** فهو السَّتِيرُ وصاحبُ الغفرانِ
و«الستير» سبحانه يأمر بالستر، ويكره المجاهرة بالمعصية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].
وفي الحديث: «كل أمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهَرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه».
والمؤمن إن وقع في معصية أو تقصير في واجب بالغ في الستر على نفسه، وقد ورد أن بعض السلف خرج إلى الصلاة، فاستقبله الناس خارجين من المسجد، فغطى وجهه ورجع.
والله سبحانه وتعالى يقول لعبده المذنب يوم القيامة: «إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم».
و«الستير» سبحانه يحب السَّتر ويحث عليه ويُرَغِّب فيه، ففي الحديث: «ومن سَتَرَ مسلمًا سَتَرَهُ الله يوم القيامة».
و«الستير» سبحانه لا يحب تتبع عورات المسلمين وكشفها؛ لأن من أسمائه «الستير»، وفي الحديث: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخلِ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتَّبع عوراتِهِم يتبعِ الله عورته، ومن يتبعِ اللهُ عورَتَهُ يفضحْهُ في بيته».
يمكنكم تحميل كتاب مع الله للدكتور سلمان العودة (حفظه الله) من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي على الرابط التالي :