من كتاب مع الله
(الله المحسن)
مع فضيلة الشيخ الدكتور سلمان العودة (حفظه الله)
الحلقة: 84
صفر 1442ه/ أكتوبر 2020م
الحُسْنُ ضد القبح، وحسَّنَ الشيء تحسينًا: زيَّنهُ. والمحاسن: ضد المساوئ.
والحسنى؛ أي: البالغة الحسن في كل شيءٍ كمالًا وجمالًا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26]، فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجهه الكريم سبحانه.
والمحسن في الشرع: هو من بلغ درجة الإحسان، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بـ «أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
وقد ورد هذا الاسم «المحسن» في السنة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قلتم فأحسنوا، فإن الله محسن يحب الإحسان».
وليس هو بالمشهور، أعني الاسم، ولذا استغربه بعض أهل العلم.
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتين أنه قال: «إن الله عز وجل محسن يحب الإحسان، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليحدَّ أحدكم شَفْرَته ثم لِيُرِحْ ذبيحته».
وكأن لفظ «المحسن» في حديث شداد رضي الله عنه شاذٌّ؛ لأن الحديث في الصحيح بدونه.
وقد ورد اسم الله «المحسن» جل وعلا فعلًا لا اسمًا، كقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ [يوسف: 100]، وفيه معنى فضل المنَّان والوهَّاب، وفيه معنى ذي الفضل.
و«المحسن» سبحانه: هو الذي بلغ كمال الحسن في صفاته وأسمائه وأفعاله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: 8].
والله عز وجل المحسن الذي غَمَر الخَلْق بإحسانه.. بَرَّهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم.
ومن إحسانه سبحانه وتعالى: أن أخرج الكل من العدم إلى الوجود ممتنًّا عليهم بذلك:
﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: 1].
ومن كمال إحسانه سبحانه: أن صوَّر خلقه في أحسن صورة: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [غافر: 64].
ومن إحسانه: أن جعل الإنسان عاقلًا؛ ليميزه عن باقي المخلوقات: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ﴾ [الإنسان: 3] ، وقال: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10]، وقال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ [النحل: 78].
ومن إحسانه: أن أنعم على خلقه بالإسلام وهداهم إليه، وهو من أعظم الإحسان والإنعام.
ثم إحسانه بحفظ كتابه، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 58]: «إنه القرآن».
ثم إحسانه إلى عباده أن أسكنهم الأرض، واستعمرهم فيها، ورزقهم من الطيبات.
وهو سبحانه محسن يحب المحسنين.
والإحسان نوعان:
إحسان في عبادة الله، وهو المفسَّر في الحديث.
وإحسان إلى عباد الله ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [التوبة: 120].
والإحسان: هو الإتقان والتجويد، وقد تعبَّد اللهُ عبادَه بتجويد الأعمال وإتقانها، كما قال تعالى:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: 2]، فالابتلاء ليس بكثرة العمل، بل بحسنه وإحسانه.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي يعلى والبيهقي بسند جيد: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه».
والجودة اليوم غدت شرطًا في المنتجات كلها، صناعية كانت أو علمية أو إعلامية.. إلخ.
فالجدير بالمسلم أن يكون اهتمامه مضاعَفًا بإتقان عمله، وضَبْطِ أدائه، وإنجاز مسؤوليته؛ استشعارًا لرقابة الله أولًا، وتَطَلُّعًا إلى نَيْل محبته ورضوانه، وطمعًا في إحسانه الذي ينال المحسنين، وبعد ذلك كله حرصًا على تحصيل مصالح الحياة الدنيا للفرد والأسرة والجماعة، والمجتمع والدولة والأمة.
يمكنكم تحميل كتاب مع الله للدكتور سلمان العودة (حفظه الله) من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي على الرابط التالي :