إشراقات قرآنية: سورة الإخلاص
الحلقة 183
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
صفر 1442 هــ / سبتمبر 2021
* {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}:
وفي قوله: {قُلْ} إشارة إلى تشبُّع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المعاني، واستغراقه فيها، فهي وإن كانت وحيًا من عند الله تعالى بالقطع واليقين، إلا أنه نزل بها جبريل الأمين على قلب النبي صلى الله عليه وسلم فتشرَّبها، وتشبَّع بها، وآمن بها، واستغرق النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعاني، فخالطت بشاشته.
فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} فإنما يقولها كما أُمر، وظاهره وباطنه صلى الله عليه وسلم متواطئان منسجمان، يقولها بلسانه وقلبه وعقله، وتُذْعِن لذلك جوانحه وجوارحه.
كما أن المجيء بلفظة {قُلْ} لأنها تتعلق بأعظم وأشرف علم ينبغي أن يتلقاه الناس، وهو العلم بالله تبارك وتعالى.
فإن قيل: في القرآن الكريم كثير من الآيات التي فيها تلقين العقيدة من غير أن يكون فيها {قُلْ}؟!
فالجواب: أن لهذه السورة خصائص:
1- أنها كلها من أولها إلى آخرها في أمر التعريف بالله، وهذا ليس لغيرها من السور.
2- أن فيها معاني خاصة ليست في غيرها، كاسم الله «الصَّمَد»، وهو من الأسماء العظيمة والدعاء به له سر، كما أن كل اسم من أسماء الله الحسنى عظيم وله سر، وهو مأمور به، كما قال: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].
{هُوَ} ضمير غائب من حيث اللفظ، والله تعالى حيٌّ لا يموت، حاضر لا يغيب، وهو ضمير الشأن، للإشادة بالخبر، والاهتمام به، ولفت نظر المستمع، فكأنه تعالى يقول: هذا الذي تسألون عنه، وتنكرونه، وتعبدون غيره، وتتطلعون إلى معرفته {هُوَ اللَّهُ أَحَد}.
وقد يكون في هذا إشارة إلى سؤالهم، فكأنه يقول: لما سألوا: مَن ربك؟ قال: {هُوَ اللَّهُ}.
{اللَّهُ} هو الاسم العلم الذي تُنسب إليه الأسماء الأخرى، كما في قوله سبحانه في آخر سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ} [الحشر: 22].
وقيل هو: الاسم الأعظم، أو في ضمن الاسم الأعظم، وقد جاء في غير ما حديث أن رجلًا قال: اللهمَّ إني أسألك بأني أشهدُ أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحدُ الصمدُ، الذي لم يلد ولم يُولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ. فقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لقد سألَ اللهَ باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجابَ، وإذا سُئل به أعطى».
وفي حديث آخر أن رجلًا دعا، وقال: اللهمَّ إني أسألك بأن لك الحمدُ، لا إله إلا أنت، المنَّان، يا بديعَ السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيومُ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لقد دعا اللهَ باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجابَ، وإذا سُئل به أعطى». وما تقدَّم أصح منه.
فأجمع لفظ مشتمل على اسم الله الأعظم يكون: «الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيومُ، الأحدُ الصمدُ، الذي لم يلد ولم يُولد ولم يكن له كفوًا أحدٌ، المنانُ، بديعُ السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام».
{اللَّهُ} هو الاسم الذي لا يُسمَّى به غيره سبحانه، وكذلك «الرحمن»، كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الإسراء: 110].
وأما بقية الأسماء فقد يُسمَّى ببعضها غير الله تعالى، فالله يقول: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]، وقال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم} [التوبة: 128]، ولكن إطلاقها على المخلوقين باعتبار، وعلى الخالق باعتبار آخر، فتُطلق على المخلوق بما يناسبه من ضعف، وعلى الله عز وجل بما يناسبه من الكمال والجلال والعظمة.
سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/books/7