إشراقات قرآنية: سورة المَسَد
الحلقة 177
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
محرم 1442 هــ / سبتمبر 2021
وأبو لهب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد أنه فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكر البخاري في حديث طويل من قول عروة بن الزُّبير: «فلما مات أبو لهب أُرِيَهُ بعض أهله بشرِّ حِيْبَةٍ، قال له: ماذا لقيتَ؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدَكم راحة، غير أني سُقِيتُ في هذه بعَتاقتي ثُويبةَ». وأشار إلى النَّقيرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع.
وكانت ثُويبة هي التي بشَّرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، ففرح بميلاده، وأعتقها لهذه البُشرى.
وقد كان لأبي لهب ثلاثة أولاد، منهم عُتبة وعُتيبة، وقد تزوج عُتبة وعُتيبة- كما في بعض الروايات- بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم، عقدا عليهما ولم يدخلا بهما، فلما جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة وظاهرته قريش بالعداوة، كان أبو لهب يقول: دعوا الأمر لي؛ فإن لي عند محمد يدًا ومنَّة، وأنا أكفل لكم أن ينتهي أمره، ويوقف هذه الدعوة.
ولم يستجب النبي صلى الله عليه وسلم له؛ فعظم ذلك عليه واشتد عليه، حتى أصبح من أعظم الناس حربًا على النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر ولديه بأن يطلقا بنتي الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال لهما: وجهي من وجهيكما حرام، إذا بقيت رقية وأم كلثوم في ذمتكما. فطلقا بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان هذا فعلًا رديئًا في منتهى الدناءة، والله تعالى أبدلهما خيرًا منهما وأبر، لكن كان هذا الأمر مع علاقة القرابة وعلاقة الأبوة أمرًا في غاية القبح.
ولما رأى أبو لهب إلحاح النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر بالدعوة أصبح يعلن العداوة له، وكانت العرب تنتظر إسلام هذا الحي من قريش، فيقولون: إذا أطاعه قومه أو انتصر، فهو نبي.
وقريش كانت تتربَّص أمر سادتها وزعمائها وأشياخها، وربما كان واسطة العقد في هؤلاء كلهم جميعًا أبو لهب، لاعتبارات عديدة، منها:
خاصية القرابة، فهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نجد بالمقارنة أن أبا طالب كان عم النبي صلى الله عليه وسلم مثل أبي لهب ولم يؤمن به، ولكنه كان حفيًّا به، ومعروفًا بحمايته له، وكان يُجلسه إلى جنبه، ويدافع عنه أشد المدافعة، وله في الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم قصيدة شهيرة، منها قوله:
ولقد علمتُ بأن ديـنَ محـمـدٍ * مــن خيرِ أديــانِ البريـَّـةِ ديـنَـا
لولا الملامةُ أو حِذاريَ سُبَّةً * لوجَدَتني سمْحًا بذاكَ مـبـيـنـَا
وقوله:
فوالله لولا أن أجـيءَ بـسُـبَّةٍ تَـجُرُّ * على أشياخنا في المحـافــلِ
لكنَّا اتَّبعنـاه على كـلِّ حــالـةٍ * من الدهرِ جدًّا غيرَ قولِ التَّهازُلِ
وأبيضَ يُسْتَسْقَى الغَمامُ بوجهِه * ثِمَالُ اليتامى عـصـمـةٌ للأرامِـلِ
يلوذُ بهِ الـهُلَّاكُ من آلِ هاشـمٍ * فهُمْ عندَه في نعمةٍ وفـواضِــلِ
في حين أن أبا لهب كان يلاحق النبي صلى الله عليه وسلم في الأسواق، كعُكاظ ومَـجَنَّة وذي الـمَجَاز، وعند الكعبة، وعند البيت، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول للعرب: «يا أيها الناسُ، قولوا: لا إله إلا الله؛ تفلحوا».
يقول راوي القصة: رأيتُ وراءه رجلًا أحمر وضيئًا ذو غديرتين أحول يمشي وراءه ويقول: لا تطيعوه؛ فإنه صابئ كذَّاب مجنون، وإنا لم نجد له طبًّا. يعني: لقد عرضناه على الرُّقاة وعلى الأطباء، ولكننا حتى الآن لم نجد له حلًّا ولا علاجًا، فكان الناس يقولون: مَن هذا؟ فيقال: عمه أبو لهب. فيقال: عمه أبصر به. ويتركون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
والكلمة التي قالها أبو لهب أول ما سمع الدعوة العلنية- «تبًّا لك سائرَ اليوم، ألهذا جمعتنا!؟»- ظلَّت منهجًا له حتى مات على الكفر وحرب الدعوة بلا هوادة.
سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/books/7