الإسلام وحقوق الإنسان (1)
الحلقة الثالثة والتسعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
رجب 1443 هــ / فبراير 2022
- الرسول يحتسب على أبي جهل:
ذكر ابن إسحاق رحمه الله في السيرة قصة طريفة جدًّا:
ذكر عن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي قال: قدم رجل من إراشة بإبل له مكة، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام، فمطله بأثمانها، فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش فقال: يا معشر قريش، مَن رجل يوديني على أبي الحكم بن هشام فإني غريب ابن سبيل وقد غلبني على حقي.
كان النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت جالسًا في مكان آخر، ومن باب السخرية والاستهزاء به قالوا له: ترى ذلك الرجل؟ فقال: نعم. فقالوا: اذهب إليه فهو يوديك عليه.
وكانوا يعرفون ما يكنه أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم من العداوة والبغضاء، فجاء الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، فقام معه النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن بينه وبين أبي جهل عداوة إلا أنه لم يقل: هذا رجل ليس بيني وبينه أي علاقة أو اتصال. وإنما قام معه، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن كان معهم: اتبعه انظر ماذا يصنع.
وذهب صلى الله عليه وسلم إلى أبي جهل، وطرق عليه الباب، فخرج أبو جهل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بهت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بلهجة الآمر: «أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّه». قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له. قال: فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للإراشي: «الْحَقْ بِشَأْنِكَ». قال: فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه الله خيرًا فقد والله أخذ لي الذي لي.
وجاء الرجل الذي بعثوا معه فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟ قال: رأيت عجبًا من العجب، والله إن هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه، فقال: «أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّه». قال: نعم، لا تبرح حتى أخرج إليه حقه. قال: فدخل ثم خرج إليه بحقه فأعطاه إياه. قال: فلم يلبثوا أن جاءهم أبو جهل فقالوا له: ويلك ما لك؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت!! فقال: ويحكم والله إن هو إلا أن ضرب الباب وسمعت صوته فملئت منه رعبًا فخرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلًا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، والله لو أبيت لأكلني- وفي رواية- فقالوا لأبي جهل: فَرَقْتَ من محمد كل هذا؟ قال: والذي نفسي بيده لقد رأيتُ معه رجالًا معهم حراب تلألأ- قال أبو قزعة في حديثه: حرابًا تلمع- ولو لم أعطه لخفت أن يبعج بها بطني.
كان النبي صلى الله عليه وسلم مع دعوته إلى الله يوضح أن من أهم أصول هذه الدعوة ومبادئها: الدعوة إلى العدل، ورد الحقوق إلى أصحابها، وإنصاف المظلومين، والأخذ على أيدي المعتدين، ولهذا قام النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الرجل وأخذ له حقه.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي