أرأيت الذي ينهى..! (1)
الحلقة الثامنة والتسعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
رجب 1443 هــ / فبراير 2022
وعيد البشر.. ووعيد الله:
جاء في «الصحيح»: قال أبو جهل: هل يُعَفِّرُ محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرنَّ وجهه في التراب. قال: فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي، زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجئهم منه إلا وهو يَنْكِص على عقبيه ويتقي بيديه. قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا». قال: فأنزل الله عز وجل: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ : يعني أبا جهل، ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ : يعني: قومه،
﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلَّا لَا تُطِعْهُ﴾ [العلق: 6-19]، وأمره بما أمره به.
في هذا الحديث نرى مدى الطغيان والاستبداد الظاهر من أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم، فماذا الذي يعنيه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن عفر وجهه أم لم يعفر؟! إنها الروح الطاغية الآثمة المستبدة التي لا ترضى أبدًا بمعاني الصفاء والنقاء، فيهدد النبي صلى الله عليه وسلم إن رآه أن يطأ على عنقه برجله النجسة، وحاشا لله أن يقع هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم محفوظ بحفظ الله تعالى، فيبتليه الله تعالى بهذا الأمر، فيهرب، وينفضح أمام قومه، ويضطر- وقد رأوا المشهد بأعينهم وسجلوه- أن يعترف بأنه رأى بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خندقًا من نار وهولًا وأجنحة، وأنه لو دنا منه لوقع فيه واحترق، والعجب كل العجب من تسجيل القرآن لهذه القصة بهذا السياق العجيب الرهيب:
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴾ [العلق: 9]. حيث لم يسم الله تعالى من هو هذا الذي ينهى، إنه أبو جهل فرعون هذه الأمة، ومع ذلك طوى اسمه؛ لأنه ليس المقصود الحديث عن شخص بعينه، وإنما المقصود الحديث عن ظاهرة.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي