إن الله يحب المحسنين (1)
الحلقة 121 من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
شعبان 1443 هــ / مارس 2022
بالشكر تدوم النعم وتربو:
كثيرًا ما يقرن الله تعالى في كتابه الكريم بين النعمة والشكر، وإذا كانت سورة النحل وهي من السور الطوال التي عدَّد الله تعالى فيها ألوان النعم على عباده، وذكّرهم فيها بالشكر حتى ختمها بقوله سبحانه: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ﴾ [النحل: 120-121]. وكذا سورة لقمان، وكأني أرى أنها تسمى سورة النعم الصغرى بالقياس إلى سورة النحل؛ لأن الله تعالى عدَّد فيها ألوانًا من النعم على العباد أيضًا.
وهكذا بالنسبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ففي سورة الضحى عدَّد الله عليه النعم، ثم قال له في آخرها: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْوَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْوَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 9-11].
وفي سورة الكوثر لما ذكر الله تعالى ما أعطاه من النعم العظيمة الكثيرة، ومن ذلك: كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم، وكثرة العلوم التي منحها النبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة الخير الذي أجراه الله تعالى على يديه للعالمين.
أعطاه الله تعالى الكوثر ثم عقب بقوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]. حين تتأمل هذين الأمرين:
الأمر الأول: الصلاة، إشارة إلى علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه، أن يحسن في عبادة ربه جل وعز.
الأمر الثاني: النحر، وهو يعني: ذبح النحائر: الإبل والبقر والغنم لوجه الله، وإطعام الفقراء والجياع والمساكين، فأمره الله تعالى بهذين الأمرين، فامتثل وأحسن.
أما الصلاة فقد جعلها الله تعالى قرة عينه صلى الله عليه وسلم، فإذا أقبل عليها ترك الدنيا وراءه، وانشغل بربه، وقد قال: «إنَّ فِي الصَّلاةِ لَشغْلًا». إذا سجد سجد قلبه وبدنه، وسبح ودعا، وذكر وخشع، ودمع وتقرب إلى الله عز وجل، كما قال عز وجل: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19]. فلم تكن صلاته صلى الله عليه وسلم صورة وإنما كانت حقيقة، بالعقل والقلب، والروح والبدن.
كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تفطَّرت قدماه، فقالت له عائشة رضي الله عنها: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أَفَلا أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا». فأعلن الشكر لله عز وجل كما قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: 13].
والشكر يكون بالقلب، وبالجوارح، وباللسان، فكانت صلاته صلى الله عليه وسلم شكرًا، وكان ذكره شكرًا، وكان عمله شكرًا لله عز وجل على ما أعطاه، وامتثالًا وتأويلًا لما قال له ربه: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]. ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79].
تقول عائشة الصديقة رضي الله عنها: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».
أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بالأمر الثاني وهو قوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2].
أي: إن الإحسان في عبادة الله لا يتم إلا بالإحسان إلى عباد الله تعالى، وهما أمران مجتمعان، لا يمكن فصل بعضهما عن بعض، فالقلوب التي أذعنت لله وأحبته وخشعت له هي القلوب التي تحن وتحنو على الناس: من المسكين، والأرملة، والضعيف، والفقير، ومَن لا يجد له مَن ينصره أو يغيثه إلا الله عز وجل، ثم الصالحون من عباده، فتكون هذه القلوب وعاءً يحتوي آلام الناس وهمومهم، ويجود عليهم بما يستطيع من مشاركة في غذاء أو كساء أو مسكن أو جاه أو مال، ولهذا قال ربنا سبحانه: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]. فجمع بينهما، ولما عاب الله تعالى المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 6-7] . يعني: لا يحسنون إلى عباد الله، فمنعهم للماعون: أنهم لا يعطون الناس، ويبخلون عليهم، وشر البخل أن يبخل المرء على زوجته، وولده، ومن تحت يده.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي