إنا أعطيناك الكوثر(3)
الحلقة 120 من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
رجب 1443 هــ / مارس 2022
- ما هو الكوثر؟
يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ [الكوثر: 1]. يقول كثير من العلماء: إن الكوثر نهر في الجنة وعده الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، آنيته عدد نجوم السماء، مَن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.
وهذا المعنى صحيح وثابت في السنة النبوية، لكن حينما يقول الله تعالى: ﴿الْكَوْثَرَ﴾. فهو مأخوذ من الكثرة. يعني: الخير الكثير.
إذًا: الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: أعطيناك الخير الكثير. فالكوثر الذي هو نهر في الجنة واحد من عطايا ربنا جل وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد عجل له هذه البشرى في الوقت الذي كان المشركون يسخرون منه ومن دعوته، ويقولون: هو رجل منبتر، يموت غدًا وينتهي أثره، ولا يذكره أحد، وتعود لحمتنا كما كانت. فربه عز وجل يقول له: ﴿أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾. فمن الكوثر هذا الخير، ومن الكوثر أيضًا الكثرة في كل شيء، فالله تعالى قد كثَّر أتباعه صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد في أتباع الأنبياء من هم بمقدار أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، والإسلام اليوم أكثر الأديان انتشارًا وأسرعها قبولًا، والمسلمون يشكلون خمس سكان الكرة الأرضية، وعبر التاريخ كان هذا الدين يتجاوز الحدود، والسدود بقوته وتأثيره، وإن ضعفت قوة أهله عن التأثير.
- هذا ما وعدنا الله:
وقفت يومًا من الأيام في مكة البلد الحرام، وأشرفت من شرفات أحد مبانيها الشاهقة، ونظرت مد بصري، فإذا بالناس كأمواج البحار، في حركة لا تتوقف، ولهج لا ينقطع بذكر الله والتلبية والتكبير، يضيق بهم رحب المكان، وكلما جاءت سعة في الأرض زاد عدد الناس وأربى عليها، ولو كتب للمسلمين اليوم أن يؤدوا عمرتهم أو حجهم لما كانت تتسع لهم البقاع المحيطة بمكة كلها.
وهذا جزء من الخير الكثير، ولو كتب للنبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث، فينظر إلى مكة التي طالما أوذي فيها وحورب، والتي قال المشركون عنه فيها: إنه صنبور منبتر، يموت غدًا وينتهي أمره. ونظر صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء القوم وقد نسوا، فلا يذكرهم أحد إلا بالعار والشنار، أما هو صلى الله عليه وسلم فقد كتب الله تعالى له المجد والخلود والعظمة في الدنيا، ولو قبضت روحه الطاهرة صلى الله عليه وسلم، فهي سنة الله في عباده: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: 30]. إلا أن دينه حي صلى الله عليه وسلم.
إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الخير الكثير من خير الدنيا والآخرة، وهذا بعض ما أعطاه ربه عز وجل من خلود دينه وبقائه، وأن دينه ظاهر على الدين كله ولو كره المشركون.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي