حفظ العورات (2)
الحلقة 128 من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
تاريخ النشر: شعبان 1443 هــ / مارس 2022
- حضارة العري:
إننا في عصر الحضارة، ولعل من قيم الحضارة الحقيقية المحافظة على إنسانية الإنسان، التي تميزه عن الحيوان بالعقل والحياء والأخلاق، وهذا شيء واضح، ولذلك كان من قيم الحضارة الحقيقية ومعاني الثقافة الراقية، الهندام والثياب واللباس، قال ربنا سبحانه: ﴿قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: 26].
امتن الله تعالى باللباس على الناس: ذكورهم وإناثهم، وإذا تحدثنا عن حضارة الغاب، تحدثنا عن الجماعات البدائية التي كانت لا تلبس الثياب، ولا ترى بأسًا في إظهار العورات، ولا تستحي من ذلك، إن الإنسان كلما تعلم وتهذب كان أكثر خجلًا وحياءً من أن يرى منه ما لا يحسن ولا يجمل، فما بال الحضارة اليوم وصلت إلى تحويل الثياب التي هي للستر وللعفاف وللحفاظ على الخصوصية البشرية؛ تحولت إلى وسيلة للإغراء والفتنة والإباحية، وأصبحت كثير من دور الأزياء في العالم تتاجر بجسد المرأة، وكلما أظهرت المرأة المزيد من جسدها؛ كلما كانت الحفاوة بها أكثر في عروض الأزياء، وفي القنوات الفضائية.
إن العري والإثارة واستخدام كل وسائل التقنية المتقدمة من القنوات.. والمواقع الإلكترونية.. والفتنة والإغراء، من كيد الشيطان وخطواته، فهو الذي عمل هذا أو حاوله بأبوينا في الجنة: ﴿يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 27].
وأرباب المال والإعلام من الصهاينة وغيرهم في العالم الغربي ووكلائهم في العالم الشرقي حولوا كثيرًا من وسائل الإعلام التي يفترض أن تخاطب عقول الناس وقلوبهم، وأن تحل مشكلاتهم وأن تعنى بظروفهم الاقتصادية.. والاجتماعية.. وبتعريف الناس بسبل العيش الكريم، عوضا عن أن تنهمك في هذا الهم الإنساني الصادق، حولوها لتنهمك في تنافس محموم: أيها أكثر إغراءً ودغدغةً للعواطف والمشاعر، وحاولت أن تلعب على وتر الشباب الضائع، الذي ربما أغلقت أمامه الأبواب، وسدت في وجهه سبل الحياة، فأصبح يكفيه أن يجلس طويلًا أمام الشاشة لينظر إلى الأجساد العارية، وإلى العروض التي تؤذي القلب وإن ألهت العين، وفي نهايتها ليست سوى جرعة من المخدر لا تهيئ الإنسان لمواجهة الحياة التي تتطلب القوة والصبر والاستعداد، ومثل هذه الأشياء تربي في الإنسان الضعف والخور والانهيار، ولا تربي فيه المواجهة الصادقة للحياة.
أين البرامج الهادفة؟ أين البرامج الجادة؟ أين البرامج الشبابية؟ أنا لا أتحدث بالضرورة عن برنامج فتوى أو وعظ ديني محض فحسب، ولكنني أتحدث عن برامج تعالج مشكلات الحياة، وتهيئ شبابنا لمواجهة التحديات، وتجهزه بما يتطلب وجوده كمسؤول في بيت، أو كطالب في جامعة، أو موظف في إدارة.
يجب ألا تظل بلادنا الإسلامية تجتر تخلفها وضعفها وتراجعها، والسبب هو الإنسان الذي لم يتم إعداده بشكل صحيح، فأصبحت الشهوة هي المسير الأقوى، وثمة فئة من ضحايا هذه الوسائل تحتاج إلى يقظة وإلى تدريب.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي