إضاءات في سيرة الفيلسوف الرباني: الإمام الشافعي
اقتباسات من كتاب "مع الأئمة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: السابعة والخمسون
١ محرم ١٤٤٤ه/ ٣٠ يوليو ٢٠٢٢م
قال الشافعي: «كنتُ يتيمًا في حِجر أمي، ولم يكن لها ما تُعطي المعلِّم، وكان المعلِّم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام».
استعداد مبكِّر للمسؤولية، وقدرة على التعلُّم، حتى مع ضيق ذات اليد.
وقال: «حفظتُ القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظتُ «الموطَّأ» وأنا ابن عشر سنين».
هنا وضع الأساس العظيم الذي سيبني عليه: الكتاب والسنة.
ثم قال: «أقمتُ في بطون العرب عشرين سنة، آخذ أشعارها ولغاتها» .
وهذا يُظهر أهمية اللغة وأثرها في الفقه والفهم والاستيعاب.
بعد ذلك استُدعي الشافعي إلى بغداد سنة (184هـ)، وكان ذلك بناءً على وشاية وصلت إلى هارون الرشيد عنه وعن جماعة من العلويين، فكان متَّهمًا بالتآمر على الدولة العباسية، والطعن على الرشيد وأنه لا يصلح للخلافة، فضُربت بين يديه تسع رقاب، كان آخرهم شابًّا من أهل المدينة قال للرَّشِيد: لا أعود إلى ما كنتُ عليه. ثم توسَّل إليه أن يتركه حتى يراسل أمه في المدينة، ولكنه لم يسعفه فقتله.
ولما جاء دور الشافعي قال له: «يا أمير المؤمنين، أنا لستُ بطالبي، ولا علوي، وإنما أُدخلت في القوم بغيًا عليَّ، وإنما أنا رجل من بني المُطَّلِب بن عبد مناف بن قُصَيٍّ، ولي مع ذلك حظٌّ من العلم والفقه، والقاضي يعرف ذلك، أنا محمدُ بنُ إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السَّائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. فقال لي: أنت محمدُ بنُ إدريس؟ فقلتُ: نعم يا أميرَ المؤمنينَ. قال: ما ذكرك لي محمدُ بن الْحسن- وكان القاضي محمد بن الحسن الشَّيْباني قاعدًا بين يدي الرَّشِيد- ثم عَطَفَ على محمد بن الحسن، فقال: يا محمدُ، ما يقولُ هذا، هو كما يقوله؟ قال: بلى، وله من العلم مَحَل كبيرٌ، وليس الذي رُفع عليه من شأنه. فقال الرَّشيد: فخذه إليك حتى أنظر في أمره. فأخذني محمدٌ، وكان سبب خلاصي لما أراد الله عز وجل منه».
ومع حاجة الشافعي في هذا الموضع للخلاص، فقد اكتفى بقوله: «على حظٍّ من العلم والفقه». تعبيرًا عن تميُّزه واختلافه عمَّن حُشر معهم، ولم يشأ أن يستطرد أكثر من ذلك؛ تواضعًا ومعرفة بما يحسُن أن يقالَ في المقام.
وكانت هذه الحادثة سببًا لبقاء الشافعي في بغداد لسنتين أو أكثر، وتتلمذ خلالها على محمد بن الحسن الشَّيْباني.
أما أبو يوسف، فلم يلقه، ولم يأخذ عنه، فقد مات أبو يوسف قبل أن يقدم الشافعيُّ بغداد، وأما رواية أنه قابله وناظره، فهي مكذوبة.
ورجع الشافعيُّ إلى الحجاز، وصار بعد وفاة مالك أشهر المفتين فيه، نحوًا من تسع سنوات، ثم قدم بعد ذلك إلى بغداد، والتقى بأحمد بن حنبل هناك، وكان قد التقى به- والله أعلم- قبل ذلك بمكة، وبعد سنتين رحل إلى مصر، حيث كان يحبه واليها، ومكث بها حتى تُوفِّي.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 123
يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي: