(الإمام الشافعي حَكِيم الفقهاء)
اقتباسات من كتاب "مع الأئمة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: الثامنة والخمسون
محرم ١٤٤٤ه/ يوليو ٢٠٢٢م
إذا كان المرء بأَصْغَرَيْهِ: عقله ولسانه، فلقد كان الشافعي على أوج التمام في ذلك، كان حَكِيمًا عاقلًا بعيد الغَوْر، شهد له بالعقل كثيرون، حتى قال أبو عُبيد القاسم بن سلَّام: «ما رأيتُ رجلًا أعقلَ من الشافعي».
وكذا قال يُونس بن عبد الأعلى، حتى إنه قال: «لو جُمعت أمة لوسعهم عقله».
وقال يُونس الصَّدفي: «ما رأيتُ أعقلَ من الشافعي؛ ناظرتُه يومًا في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، أَلَا يستقيم أن نكون إخوانًا، وإن لم نتفق في مسألة».
قال الذهبيُّ تعليقًا على ذلك: «هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون».
وهذه إحدى المسائل التي استوقفتني في سيرة الإمام الشافعي رحمه الله؛ فإنه يدرك أن الناس لا يمكن أن يتفقوا في عقولهم، ولا في مداركهم، ولا في علمهم، ولا في شخصياتهم، فلا يمكن أن يتفقوا على كل شيء، وليس أمامهم إلا أحد طريقين: إما أن يختلفوا اختلافًا بعيدًا، وإما أن يضعوا لأنفسهم قواعد عامة يتَّفقون على جميعها، ويقبلون الخلاف في جزئياتها وفروعها، فمتى يتأدَّب الصالحون بهذا الأدب الرفيع؟! ومتى تتسع صدورهم لمَن يخالفونهم، ويقدِّمون أصل الأُخوة الإيمانية على طارئ الخلاف الفرعي؟!
وهل يمكن أن يتفق الناس؟
وهل يسع مَن رأى غير ما ترى أن يكتم ما يراه حقًّا من أجل خاطرك؟
وهل يجوز له أن يعصي الله ورسوله ليطيعك؟
وهل تريد منه ما لا تصنعه أنت نفسك؟
إن من عقل الشافعي رحمه الله أن يؤصِّل هذه القاعدة في فقه الخلاف بين المسلمين.
ومن عقله أيضًا قوله: «إنَّ للعقل حدًّا ينتهي إليه، كما أن للبصر حدًّا ينتهي إليه».
فهو رحمه الله يدرك أن العقل الفطري المركَّب في الإنسان، هو آلة للفهم والإدراك والنظر، كما أن البصر آلة للرؤية والإدراك، وكما أن البصر له حدٌّ ينتهي إليه كبعد المسافة والجدران؛ فإن العقل له حدٌّ ينتهي إليه، فإذا تجاوز حدَّه فسد، فإدراك نقائص العقل البشري وأوهامه ضرورة شرعية وعلمية.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 126-125
يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي: