الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

وفاة الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله)

اقتباسات من كتاب "مع الأئمة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

الحلقة: السابعة والثمانون

صفر 1444ه/ سبتمبر 2022م

ظل الإمام أحمد يشكو آثار التعذيب الذي ناله في المحنة، ومات رحمه الله سنة (241هـ)، وكان عمره سبعًا وسبعين سنة، وكانت وفاته ببغداد حيث وُلد ونشأ.

وكان بداية مرضه في يوم الأربعاء أول شهر رَبِيع الأول سنة إحدى وأربعين ومئتين، واستمر مرضه عشرة أيام، وكان إذا أراد القيام قال لابنه: خُذ بيدي. حتى إذا ذهب إلى الخلاء ضعفت رجلاه وتوكَّأ عليه، ولم يزل عقله ثابتًا، ولم يزل يصلِّي قائمًا، يمسكه ابنه، فيركع ويسجد، ويرفعه في ركوعه.

وقال صالح ابنه: «كنتُ أنام بالليل إلى جنبه، فإذا أرادَ حاجةً حرَّكني فأناوله، وقال لي: جئني بالكتاب الذي فيه حديث ابن إدريس عن لَيْث عن طاوس، أنه كان يكره الأنين، فقرأته عليه، فلم يئن إِلَّا في الليلة التي تُوفي فيها».

وتسامع الناس بمرضه، وكثروا فحُجبوا، ثم سُمح لهم، فدخلوا عليه أفواجًا حتى تمتلئ الدار، يسلِّمون ويردُّ بيده، فيسألونه ويدعون له ثم يخرجون، ويدخل فوجٌ آخر، وكثر الناس وامتلأ الشارع وأُغلقت الأبواب، فكان الناس في الشوارع والمساجد، حتى تعطَّل بعض الباعة.

فلما كان قبل وفاته بيومٍ أو يومين، قال بلسانٍ ثقيلٍ: ادعو لي الصبيان. فجعلوا ينضمون إليه، وجعل يشمهم ويمسح رؤوسهم، وعينه تدمع، واشتدت علته يوم الخميس، ووضَّأه ابنه، فقال: خلِّل الأصابع. فلما كانت ليلة الجمعة، ثقل، وقبض صدر النهار، فصاح الناسُ، وعلت الأصوات بالبكاء، حتى كأن الدنيا قد ارتجت، وامتلأت السكك والشوارع.

وأوصى عند موته أن يجعل من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أُهدي إليه على كل عينٍ شعرة، وشعرة على لسانه، ففعل ذلك به عند موته.

ثم مات لاثنتي عشرة خلت من رَبِيعٍ الأول، يوم الجمعة.

فغُسِّل، ولم يحضر غسله غريبٌ، ورُفع على السَّرير، وشُدَّ بالعمائم، ثم رُفعت جنازته مع العصر، ودُفن مع الغروب.

وقد تفاعل الناس مع الجنازة تفاعلًا كبيرًا؛ حيث عُطلت صلاة العصر في مساجد بغداد، فلم يصلِّ فيها أحدٌ؛ حرصًا على حضور جنازة الإمام أحمد.

وقد استرعى العدد الكبير في جنازته رحمه الله نظر الكثيرين، حتى أمر المتوكِّل أن يحزر العدد، وأرسل ابن طاهر الأمير عشرين رجلًا لحزر العدد، واهتم بعض العلماء والشهود بحزره، مثل عبد الوهاب الورَّاق وغيره.

وتراوح ما قيل في ذلك ما بين ستمئة ألف، ومليونين وخمسمئة ألف من الرجال، وأما النساء فلم يختلف أن عددهن ستين ألفًا، وقد ظللن يتوافدن على القبر حتى منعن.

وسبب الاختلاف والتفاوت الكبير، هو أن البعض يحرز من الأمكنة المبسوطة التي صلَّى الناس فيها فقط، وبعضهم يضيف إليهم مَن في الشوار والسطوح والأطراف، وبعضهم يضيف إليهم مَن في البيوت والأسواق والسفن، رحمه الله ورضي عنه.

 

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 176-177

يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي:

https://www.alsallabi.com/uploads/books/16527989340.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022