من نتائج المصالحة ما أن تمت المصادقة على المصالحة بين المسلمين في الشام والعراق, وإعلاناها بين الناس، حتى باتت تظهر بجلاء نتائجها الإيجابية، فاجتمعت الأمة فيما عرف بعام الجماعة، وانطلقت عجلة الفتوحات بعد أن توقفت سنين مديدة، وازدهرت الحركة العلمية في المدينة المنورة قادها الصحابة العلماء، وعلى رأسهم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وهنا نستعرض طرفا من تلك النتائج وبشكل مختصر نقصد بذلك التأكيد على أن المصالحة من ضروراتها الاستقرار وانطلاق حركة التنمية وازدهار الاقتصاد والعلوم. أولاً: توحد الأمة تحت قيادة واحدة نقش في الذاكرة التاريخية للمسلمين بأن العام الذي تمت فيه المصالحة الكبرى بات يحمل اسم عام الجماعة، فمنذ ذلك التاريخ ولقرون عديدة كانت تقود الأمة حكومة واحدة، ومن عاصمة سياسية واحدة. ومما لا شك فيه أن الفضل في كل ذلك لله ثم للإمام الحسن بن علي رضي الله عنه. وقد قادت المصالحة أن بايع كل الصحابة الأحياء معاوية. وفي ذلك يقول ابن حزم: فبويع الحسن ثم سُلِّم الأمر إلى معاوية، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما بلا خلاف ممن أنفق قبل الفتح وقاتل، وكلهم؛ أولهم عن آخرهم بايع معاوية.
من نتائج المصالحة ما أن تمت المصادقة على المصالحة بين المسلمين في الشام والعراق, وإعلاناها بين الناس، حتى باتت تظهر بجلاء نتائجها الإيجابية، فاجتمعت الأمة فيما عرف بعام الجماعة، وانطلقت عجلة الفتوحات بعد أن توقفت سنين مديدة، وازدهرت الحركة العلمية في المدينة المنورة قادها الصحابة العلماء، وعلى رأسهم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وهنا نستعرض طرفا من تلك النتائج وبشكل مختصر نقصد بذلك التأكيد على أن المصالحة من ضروراتها الاستقرار وانطلاق حركة التنمية وازدهار الاقتصاد والعلوم. أولاً: توحد الأمة تحت قيادة واحدة نقش في الذاكرة التاريخية للمسلمين بأن العام الذي تمت فيه المصالحة الكبرى بات يحمل اسم عام الجماعة، فمنذ ذلك التاريخ ولقرون عديدة كانت تقود الأمة حكومة واحدة، ومن عاصمة سياسية واحدة. ومما لا شك فيه أن الفضل في كل ذلك لله ثم للإمام الحسن بن علي رضي الله عنه. وقد قادت المصالحة أن بايع كل الصحابة الأحياء معاوية. وفي ذلك يقول ابن حزم: فبويع الحسن ثم سُلِّم الأمر إلى معاوية، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما بلا خلاف ممن أنفق قبل الفتح وقاتل، وكلهم؛ أولهم عن آخرهم بايع معاوية، ورأى إمامته. ونتعلم من فقه الحسن وموقف الصحابة من بيعة معاوية فهمهم العميق لآيات النهي عن الاختلاف، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153] ونهي الله سبحانه وتعالى هذه الأمة عمّا وقعت فيه الأمم السابقة من الاختلاف والتفرق من بعد ما جاءتهم البينات، وأنزل الله إليهم الكتب، فقال سبحانه: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105]. لقد تحقق بفضل الله تعالى ثم بنجاح الحسن بن علي في صلحه مع معاوية مقصد عظيم من مقاصد الشريعة من وحدة المسلمين واجتماعهم، والمصالحة بين المسلمين والسعي إليها والأخذ بالأسباب نحو تأليف قلوب المسلمين، وتوحيد صفهم من أعظم الجهاد في نظر الإسلام، لأن هذه الخطوة مهمة جدًا في إعزاز المسلمين، وإقامة دولتهم، وبسط العدل بين الناس ورفع الظلم عنهم. ولم يحاول الحسن وكبار الصحابة الموجودين في ذلك العصر أن يخوضوا في مسألة الأولى بتولي الزعامة والقيادة السياسية لدولة المسلمين، بل التفتوا إلى مصالح أهم من ذلك تمثلت في إعادة بناء وحدة الأمة ولحمتها تحت قيادة قوية تمثلت في ذلك الزمن في معاوية رضي الله عنه. وهذا يلقي علينا اليوم مسؤوليات كبيرة تجاه الوطن، ويجعل مسائل الحفاظ على لحمة مجتمعنا وهويته، وإقامة العدل وتحقيق المساواة وحماية الحريات هي أولويات خطاب وتطبيقات المصالحة، بعيدا عن أي تنازع سياسي يحاول فيه كل طرف أن يثبت أحقيته في الحكم، بل الأولى اليوم أن نتوافق على بناء الوطن وإرجاع الحقوق وبناء دولة القانون وتربية المواطن الصالح المتعلم والمتدرب على قيم العدل والحرية والشورى. ثانيًا: عودة الفتوحات إلى ما كانت عليه لقد كانت من أهم الأعمال التي انطلقت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى مقتل عثمان رضي الله عنه حركة الفتوحات العظيمة التي حملت الإسلام للناس لا لتكرههم على اعتناقه بل لتمهد له بيئة يقدم فيها أمام الإنسانية، وكانت النتيجة أن دخل الناس فيه أفواجا. ولكن مثلت فتنة اغتيال عثمان رضي الله عنه أكبر معوق أصاب الدعوة الإسلامية بعد حركة الردة أيام أبي بكر رضي الله عنه، حيث أدى استشهاد عثمان إلى توقف الجهاد، واتجاه سيوف المسلمين إلى بعضهم في فتنة كادت تعصف بالأمة الإسلامية لولا أن تداركتها رحمة الله سبحانه وتعالى بصلح الحسن بن علي مع معاوية رضي الله عنهما، وقد امتلأت المصادر التاريخية بالنصوص التي تبين أثر الفتنة في انحسار حركة الجهاد. وكان من نتائج المصالحة عودة حركة الفتوحات إلى ما كانت عليه وأصبحت تعمل في عهد معاوية على ثلاث جبهات رئيسية هي؛ جبهة الروم، وجبهة المغرب، وجبهة سجستان وخراسان وما وراء النهر. وقد ترك معاوية معالم واضحة في سياسته الخاصة بالفتوحات وحركة الجهاد، فقد كان آخر ما وصى به: "أن شُدوا خناق الروم، فإنكم تضبطون بذلك غيرهم من الأمم. إن توقف حركة الفتوحات يدل على مدى الأزمة التي تنجر إليها الدولة والمجتمع عندما تنقسم القوى، وتتعارض الإرادات، وتستبد بالأمر بعضها دون الآخر، وبالمصالحة تعود الدولة والمجتمع إلى العافية، وتنطلق في عملية نهضوية واسعة وعميقة، وتنمو الموارد، ولن تقوم مصالحة بعيدا عن صياغة دستورية واضحة المعالم تبين الحقوق وتحفظها وتسرد الواجبات وتكفل الالتزام بها. ولعلنا في وطننا مررنا باختناقات عديدة على المستوى السياسي والثقافي والتربوي والاقتصادي والحقوقي، ونحن اليوم أحوج ما نكون لصياغة مصالحة لا تستثني أحدا، لعلنا ننطلق في البناء، ونتراجع عن الهدم المتواصل. ثالثًا: تحقيق الأمن الداخلي ومن نتائج المصالحة المهمة أن الدولة تفرغت لحركة تمرد واسعة مثلها تمثلت في الخوارج، وبلا الوقوف على تفاصيل الخطط والتطبيقات العسكرية لردع الخوارج، فقد ترتبت على المصالحة التضييق والتصدي للخوارج، واتسمت حركة الخوارج في عهد معاوية بالعشوائية والارتجال وقلة التنظيم، وكانت أشبه ما يكون بعمليات انتحار جماعي، لأنهم يخرجون بفئات قليلة لا تلبث أن تستأصل، خاصة مع استبعادهم لأسلوب الحوار والمناظرة في دعوتهم، ومحاولة فرض فكرهم على المجتمع المسلم بالقوة، وعدم دخولهم في المصالحة الوطنية التي أنهت الاقتتال الداخلي في الأمة. ونحن اليوم لسنا بعيدين في أوطاننا عن مواجهات رأينا أمثلة لها في دول المغرب العربي، ولكن لمواجهة هذا العنف لابد من دولة يلتف حولها مجتمعها، ولابد من مصالحة داخل الوطن تنهي حالة الاحتقان، وتقطع الطريق على أي محاولات لاستغلال أوضاع سياسية أو اقتصادية أو ثقافية غير طبيعية، وذلك بالحوار والمصالحة وإصلاح تلك الأوضاع بحلول وإجابات تنطلق من صعوبة الواقع وليس فقط تجريد الأفكار. رابعا: بروز النهضة العلمية في المدينة بعد المصالحة ترك الحسن الكوفة بعد تنازله لمعاوية ورجع بمن معه من أصحابه وبني هاشم إلى المدينة واستقر بها، وكان الهاشميون محل الإجلال والتكريم والاحترام من معاوية، وكانت زعامتهم عند الحسن بن علي، وكانت المدينة في تلك الفترة يسكنها عدد كبير من علماء الصحابة يضاف إليهم عدد من التابعين ممن تتلمذوا على الصحابة العلماء وساروا بسيرتهم ونهجوا نهجهم، وهؤلاء كانوا خليطًا من المهاجرين والأنصار ومن غير المهاجرين والأنصار، وقد نتج عن المصالحة استقرارا أدى إلى حدوث نهضة علمية واسعة خصوصا في رواية الحديث النبوي، ودخل آل بيت النبي صلى الله وسلم والصحابة فيما دخلت فيه الأمة ولا ينزعون يدًا من جماعة، ومن هؤلاء عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله. كانت أجواء المدينة خيرًا على الحياة العلمية، حيث تفرغ طلاب العلم فيها لرواية الحديث، وتفسير القرآن، واستنباط الأحكام الفقهية، فقصدها الناس من أجل العلم، فقد كان بها الهدوء والاطمئنان الذي يساعد على العلم والبحث.
الكاتب: د. علي الصلابي
أ. إسماعيل كريتلي
المصدر: حركة التوحيد والإصلاح