من كتاب الدولة الأموية: خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
(أشهر ولاة الكوفة في عهد معاوية رضي الله عنه)
الحلقة: السابعة والأربعون
بقلم: الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020
1 ـ ولاية المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (41 ـ 50 هـ):
الأمير أبو عيسى ، ويقال: أبو عبد الله ، وقيل: أبو محمد. من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة. شهد بيعة الرضوان ، كان رجلاً طوالاً مهيباً ، ذهبت عينه يوم اليرموك وقيل: يوم القادسية. وكان يقول: أنا اخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر ، فألقيت خاتمي ، فقلت: يا أبا الحسن ، خاتمي ، قال: انزل فخذه ، قال: فمسحت يدي على الكفن ثم خرجت.
وله مواقف في الدهاء والمكر والكيد؛ منها: عن زيد بن أسلم ، عن أبيه: أن عمر استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين ، فكرهوه ، فعزله عمر ، فخافوا أن يردّه ، فقال دهقانهم: إن فعلتم ما امركم لم يردَّه علينا. قالوا: مُرْنا. قال: تجمعون مئة ألف حتى أذهب بها إلى عمر ، وأقول: إن المغيرة اختان هذا ، فدفعه إليَّ. قال: فجمعوا له مئة ألف ، وأتى عمر ، فقال ذلك ، فدعا المغيرة ، فسأله ، قال: كذب أصلحك الله ، إنما كانت مئتي ألف ، قال: ما حملك على هذا؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمر للعِلْج: ما تقول؟ قال: لا والله لأصدُقنَّك ! ما دفع إليَّ قليلاً ولا كثيراً ، فقال عمر للمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ قال: الخبيث كذب عليَّ ، فأحببت أن أخزيه.
وعن الشعبي: سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب ، لا يخرج من باب إلا بمكر ، لخرج من أبوابها كلها، وقال الشعبي: .. والدهاة أربعة: معاوية ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة، وزياد.
وكان المغيرة بن شعبة من أنصار التعدد؛ فكان يقول: صاحب المرأة الواحدة يحيض معها ويمرض معها ، وصاحب المرأتين بين نارين تشتعلان. فهو يدعو للزواج من ثلاث أو أربع.
وقد استعمل معاوية المغيرة على الكوفة عام 41 هـ ، وقام بجهود عظيمة في قتال الخوارج ، ووجد وقتاً كافياً قام فيه بتوسيع مسجد الكوفة فجعله يتسع لأربعين ألفاً من المصلين. وبقى في الولاية إلى عام 49 هـ ، وقيل: 50 هـ وهو الراجح ، وعندما مات ضم معاوية الكوفة إلى زياد ، فكان أول من جمع له الكوفة والبصرة.
2 ـ ولاية زياد بن أبيه على الكوفة (50 ـ 53 هـ):
كان زياد على البصرة وأعمالها إلى سنة خمسين ، فمات المغيرة بن شعبة بالكوفة وهو أميرها ، فكتب معاوية إلى زياد بعهده على الكوفة والبصرة ، فكان أول من جمع له الكوفة والبصرة ، فاستخلف على البصرة سمرة بن جندب ، وشخص إلى الكوفة ، فكان زياد يقيم ستة أشهر بالكوفة وستة أشهر بالبصرة.
وقد تحدثنا عن سياسة زياد فيما سبق بالعراق، وقد وصفه الذهبي فقال فيه: .. كان من نُبلاء الرجال، رأياً، وعقلاً، وحزماً، ودهاءً، وفطنة، وكان يضرب به المثل في النُّبل والسؤدد، وكان كاتباً بليغاً كتب للمغيرة، ولابن عباس وناب عنه بالبصرة.
وقال الشعبي: ما رأيت أحداً أخطب من زياد. وقال فيه ابن حزم: لقد امتنع زياد وهو فِقَعَةُ القاع ، لا نسب له ولا سابقة ، فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة ، ثم استرضاه وولاّه. وقال أبو الشعثاء: كان زياد أفتك من الحجَّاج لمن يخاف هواه، وعندما استقر أمره بالعراق وتمكن منها، كتب زياد إلى معاوية: قد ضبطت لك العراق بشمالي ، ويميني فارغة ، فأشغلها بالحجاز... فلما بلغ ذلك أهل الحجاز أتى نفر منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فذكروا ذلك له ، فقال: ادعوا الله عليه فيكفيكموه، فاستقبل القبلة، واستقبلوها فدعوا ودعا، فخرجت طاعونة على أصبعيه، فأرسل إلى شريح.
ـ وكان قاضيه ـ فقال: حدث بي ما ترى ، وقد أمرت بقطعها ، فأشر علي ، فقال له شريح: إني أخشى أن يكون الجراح على يدك ، والألم على قلبك ، وأن يكون الأجل قد دنا ، فتلقى الله عز وجل أجذم وقد قطعت يدك كراهية للقائه ، أو أن يكون في الأجل تأخير ، وقد قطعت يدك فتعيش أجذم وتعير ولدك ، فتتركها ، وخرج شريح فسألوه ، فأخبرهم بما أشار به ، فلاموه وقالوا: هلا أشرت عليه بقطعها ، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المستشار مؤتمن». وقد مات زياد سنة ثلاث وخمسين.
3 ـ ولاية عبد الله بن خالد بن أسيد (53 ـ 55 هـ):
عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص ، ولي فارس لزياد ، ثم استخلفه زياد على الكوفة عند مماته، وهو الذي صلى على زياد.
4 ـ ولاية الضحاك بن قيس الفهري (55 ـ 58 هـ):
وفي سنة 55 هـ عزل معاوية عبد الله بن خالد بن أسيد عن الكوفة ، وولاها الضحاك بن قيس الفهري.
5 ـ ولاية عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي (58 هـ):
وفي سنة 58 هـ ولى معاوية الكوفة عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن ربيعة الثقفي، وهو ابن أم الحكم أخت معاوية بن أبي سفيان ، وعزل عنها الضحاك بن قيس.
هذا وقد قام معاوية رضي الله عنه بعزل عبد الرحمن بن أم الحكم عن الكوفة بسبب إقدامه على قتل أحد أهل الذمة ، ودليل ذلك ما أخرجه أحمد بن حنبل ، بإسناد صحيح ، قال: حدثني هارون بن معروف قال: حدثنا سفيان ، عن مطرف ، قال: أخبرني ابن سعيد قال: .. ثم إن ابن أم الحكم عزل حين قتل ابن صلوبا.
6 ـ ولاية النعمان بن بشير رضي الله عنه (59 ـ 60 هـ):
وفي سنة 59 هـ عزل معاوية عبد الرحمن بن أم الحكم عن الكوفة ، واستعمل عليها النعمان بن بشير الأنصاري.فهؤلاء هم ولاة الكوفة في عهد معاوية رضي الله عنه.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي: