من مواقف عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في المجتمع المدني... أحداث ملهمة ودروس مستفادة
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة التاسعة
كان عمر شديد الحرص على ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه إِذا جلس إِلى رسول الله لم يترك المجلس حتَّى ينفضَّ، فهو واحدٌ من المجتمع القليل؛ الذي لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب حين قدمت عيرٌ إِلى المدينة، وكان يجلس في حلقات، ودروس، ومواعظ رسول الله نشطاً، يستوضح، ويستفهم، ويلقي الأسئلة بين يدي رسول الله في الشؤون الخاصَّة والعامَّة، ولذلك فقد روى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خمسمئة حديث، وتسعةً وثلاثين حديثاً.
وفي روايةٍ: خمسمئة وسبعةً وثلاثين حديثاً، اتَّفق الشيخان في صحيحيهما على ستةٍ وعشرين منها، وانفرد البخاريُّ بأربعةٍ وثلاثين، ومسلمٌ بواحدٍ وعشرين، والبقيَّة في كتب الأحاديث الأخرى، وقد وفَّقه الله إِلى رواية أحاديث لها قيمتها الأولويَّة في حقيقة الإِيمان، والإِسلام، والإِحسان، والقضاء، والقدر، وفي العلم، والذِّكر، والدُّعاء، وفي الطَّهارة، والصَّلاة، والجنائز، والزَّكاة، والصَّدقات، والصِّيام، والحجِّ، وفي النِّكاح والطَّلاق، والنّسب، والفرائض، والوصايا، والاجتماع، وفي المعاملات، والحدود، وفي اللِّباس، والأطعمة، والأشربة، والذَّبائح، وفي الأخلاق، والزُّهد، والرِّقاق، والمناقب، والفتن، والقيامة، وفي الخلافة، والإِمارة، والقضاء، وقد أخذت هذه الأحاديث مكانها في مختلف العلوم الإِسلاميَّة، ولا تزال رافداً يمدُّ هذه العلوم، وإِليك بعض المواقف التَّعليميَّة، والتَّربويَّة، والاجتماعيَّة من حياة الفاروق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة.
1 ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عمر عن السَّائل:
عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: أنَّه قال: أخبرني عمر بن الخطاب: أنَّهم بينما هم جلوس ـ أو قعودٌ ـ عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم جاءه رجلٌ يمشي، حسن الوجه، حسن الشَّعر، عليه ثيابٌ بياضٌ، فنظر القوم بعضهم إِلى بعض: ما نعرف هذا، وما هذا بصاحب سفر ! ثمَّ قال: يا رسول الله ! اتيك ؟ قال: « نعم » فجاء، فوضع ركبتيه عند ركبتيه، ويديه على فخذيه، فقال: ما الإِسلام ؟ قال: « شهادة أن لا إِله إِلا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وتقيم الصَّلاة، وتؤتي الزَّكاة، وتصوم رمضان، وتحجُّ البيت » قال: فما الإِيمان ؟ قال: « أن تؤمن بالله، وملائكته، والجنَّة، والنار، والبعث بعد الموت، والقدر كلِّه ». قال: فما الإِحسان ؟ قال: « أن تعمل لله كأنَّك تراه، فإِن لم تكن تراه فإِنَّه يراك » قال: فمتى الساعة ؟ قال: « ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ». قال: فما أشراطها ؟ قال: « إِذا العراة، الحفاة، العالة، رعاءُ الشَّاء تطاولوا في البنيان، وولدت الإِماء أربابهنَّ ». قال: ثمَّ قال: « عليَّ الرجل » فطلبوه، فلم يروا شيئاً، فمكث يومين أو ثلاثة، ثمَّ قال: « يا بن الخطاب أتدري من السَّائل عن كذا وكذا ؟ ». قال: الله ورسوله أعلم، قال: « ذاك جبريل، جاءكم يعلِّمكم دينكم ».
وهذا الحديث يبيِّن: أنَّ الفاروق تعلَّم معاني الإِسلام، والإِيمان، والإحسان بطريقة السُّؤال والجواب من أفضل الملائكة، وأفضل الرُّسل.
2ـ إِصابة رأيه رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: كنَّا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر، وعمر في نفرٍ. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، وخشينا أن يقتطع دوننا، وفزعنا، فقمنا، فكنت أوَّل مَنْ فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أتيت حائطاً للأنصار لبني النَّجار، فدرت به هل أجد له باباً، فلم أجد، فإِذا ربيعٌ يدخل في جوف حائطٍ من بئر خارجةٍ، فاحتفزت كما يحتفز الثَّعلب، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « أبو هريرة ؟ » فقلت: نعم يا رسول الله ! قال: « ما شأنك ؟ » قلت: كنتَ بين أظهرنا، فقمتَ، فأبطأتَ علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أوَّل من فزع، فأتيت هذا الحائط، فاحتفزت كما يحتفز الثَّعلب، وهؤلاء النَّاس ورائي. فقال: « يا أبا هريرة ـ وأعطاني نعليه ـ اذهب بنعليَّ هاتين فمن لقيته من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إِله إِلا الله مستيقنًا بها قلبُه فبشره بالجنَّة » وكان أوَّل من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النَّعلان يا أبا هريرة ؟! فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما إلى من لقيت يشهد أن لا إِله إِلا الله مستيقناً بها قلبه بشَّرته بالجنَّة. فضرب عمر بيده بين ثدييَّ، فخررت لاسْتي، فقال: ارجع يا أبا هريرة ! فرجعت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاءً، وركبني عمر. فإِذا هو على إِثْري، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مالك يا أبا هريرة ؟! » قلت: لقيت عمر، فأخبرته بالَّذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربةً، فخررت لاستي ! قال: « ارجع ». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا عمر ! ما حملك على ما فعلت ؟ » فقال: يا رسول الله ! أبعثت أبا هريرة بنعليك إلى من لقي يشهد أن لا إِله إِلا الله مستيقناً به قلبه بشَّره بالجنَّة ؟ قال: « نعم » قال: فلا تفعل؛ فإِنِّي أخاف أن يتَّكل النَّاس عليها، فخلِّهم يعملون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فخلِّهم ».
3 ـ حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على توحيد مصدر تلقِّي الصَّحابة:
عن جابر بن عبد الله: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر بن الخطاب ورقةً من التَّوراة، فقال: « أمتهوِّكون فيهايا بن الخطَّاب ؟ والَّذي نفسي بيده ! لقد جئتكم بها بيضاء نقيَّةً، لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبروكم بحقٍّ فتكذبوا به، أو بباطلٍ فتصدقوا به، والذي نفسي بيده ! لو أنَّ موسى كان حيّاً ما وسعه إِلا أن يتَّبعني ». وفي روايةٍ: « أن لو كان موسى حيّاً ثمَّ اتبعتموه وتركتموني لَضَلَلْتُم ».
4ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدَّث عن بدء الخلق:
عن طارق بن شهابٍ، قال: سمعت عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول: قام فينا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مقاماً، فأخبرنا عن بدء الخلق؛ حتَّى دخل أهلُ الجنَّة منازلهم، وأهل النَّار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه مَنْ نسيه. وهذا الحديث يدخل ضمن فقه القدوم على الله الَّذي فهمه عمر من رسول الله.
5ـ نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء، وحثُّه على التَّوكل على الله:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله يقول: « إِنَّ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ينهاكم أن تحلفوا بابائكم ». قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ! ولا تكلَّمت بها ذاكراً، ولا اثراً. وسمع عمر ـ رضي الله عنه ـ نبيَّ الله يقول: « لو أنَّكم توكَّلون على الله حقَّ توكُّله؛ لرزقكم كما يرزق الطَّير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً ».
6ـ رضيت بالله ربّاً، وبالإِسلام ديناً، وبمحمَّدٍ نبيّاً ورسولاً:
عن أبي موسى قال: سئل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها، فلمَّا أُكثر عليه؛ غضب، ثمَّ قال للنَّاس: « سلوني عمَّا شئتم ». قال رجل: من أبي ؟ قال: « أبوك حذافة » فقام اخر، فقال: من أبي ؟ قال: « أبوك سالم مولى شيبة » فلمَّا رأى عمر ما في وجهه، قال: يا رسول الله ! إِنَّا نتوب إِلى الله عزَّ وجلَّ. وفي روايةٍ: فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله ربّاً، وبالإِسلام ديناً، وبمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نبيّاً، فسكت.
7ـ لا ونعمة عينٍ، بل للنَّاس عامة !
عن ابن عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ: أنَّ رجلاً أتى عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ فقال: امرأةٌ جاءت تبايعه فأدخلتُها الدَّولج، فأصبت منها ما دون الجماع ؟ فقال: ويحك لعلَّها مغيبةٌ في سبيل الله ؟ ونزل القران: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *} [هود: 114]. إِلى اخر الآية، فقال: يا رسول الله أَلي خاصَّةً أم للنَّاس عامَّةً، فضرب عمر صدره بيده، فقال: لا، ولا نعمة عينٍ، بل للنَّاس عامَّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق عمر».
8 ـ حكم العائد في صدقته:
عن عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ قال: حملت على فرسٍ في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فأردت أن أبتاعه وظننت: أنَّه بائعه برخصٍ، فقلت: حتَّى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « لا تبتعه، وإِن أعطاكه بدرهمٍ، فإِنَّ الَّذي يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه ».
9 ـ من صدقاته، ووقفه:
عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: أنَّ عمر تصدَّق بمالٍ له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقال له: ثمغ، وكان به نخلٌ، فقال عمر: يا رسول الله ! إِنِّي استفدت مالاً، وهو عندي نفيس، فأردت أن أتصدَّق به، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: « تصدَّق بأصله، لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، ولكن ينفق ثمره ». فتصدَّق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله، وفي الرِّقاب، والمساكين، والضَّيف، وابن السَّبيل، ولذوي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف، أويؤكل صديقه غير متموِّل به.
وفي روايةٍ: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه، كيف تأمرني به ؟ قال: « إِن شئت حبست أصلها، وتصدَّقت بها ». فتصدَّق عمر: أنَّه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء، وذي القربى، والرِّقاب، وفي سبيل الله، والضَّيف، وابن السَّبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متموِّلٍ فيه. فهذا الموقف العمريُّ فيه فضيلةٌ ظاهرة للفاروق ـ رضي الله عنه ـ ورغبته في المسارعة للخيرات، وإِيثاره الحياة الاخرة على الحياة الفانية.
10 ـ هديَّةٌ نبويَّةٌ لعمر بن الخطَّاب، وأخرى لابنه:
عن ابن عمر قال: رأى عمر على رجلٍ حلَّةً من إستبرقٍ، فأتى بها إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ! اشتر هذه، فالبسها لوفد النَّاس إِذا قدموا عليك. قال: « إِنَّما يلبس الحرير في الدنيا مَنْ لا خلاق له في الاخرة ». فمضى من ذلك ما مضى، ثمَّ إِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث إِليه بحلَّةٍ، فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: بعثت إِليَّ بهذه، وقد قلت في مثلها ـ أو قال: في حلَّة عطاردٍ ـ ما قلت ؟ قال: « إِنَّما بعثت بها إِليك لتصيب بها مالاً ». وفي روايةٍ:... فكساها عمر أخاً له بمكَّة قبل أن يسلم.
وأمَّا هدية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لابن عمر؛ فعن عبد الله بن عمر، قال: كنَّا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فكنت على بكرٍ صعبٍ لعمر، فكان يغلبني فيتقدَّم أمام القوم، فيزجره عمر، ويرده، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعمر: « بعنيه » قال: هو لك يا رسول الله ! قال: « بعنيه ». فباعه من رسول الله فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: « هو لك يا عبد الله بن عمر ! تصنع به ما شئت ».
11 ـ تشجيعه لابنه وبشرى لابن مسعود:
عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ من الشَّجر شجرةً لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدِّثوني ما هي ؟ » فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي: أنها النَّخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله ! أخبرنا بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أهي النَّخلة ». قال عبد الله: فحدَّثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحبُّ إِليَّ من أن يكون لي كذا، وكذا.
وأمَّا بشرى عمر لابن مسعودٍ؛ فقد روى عمر ـ رضي الله عنه ـ أنَّه سمر في بيت أبي بكرٍ مع رسول الله في أمور المسلمين، فخرج رسول الله، وخرجنا معه، فإِذا رجل قائمٌ يصلِّي في المسجد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته، فلمَّا كدنا أن نعرفه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ سرَّه أن يقرأ القران رطباً كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أمِّ عبد » قال: ثمَّ جلس الرَّجل يدعو، فجعل رسول الله يقول له: « سل تعطه، سل تعطه » قال عمر: قلت: والله لأغدونَّ إِليه، فلأبشرنَّه، قال: فغدوت إِليه لأبشِّره، فوجدت أبا بكر قد سبقني إِليه، فبشره، ولا والله ما سابقته إِلى خيرٍ قط إِلا سبقني إِليه!
12 ـ حَذَرُه من الابتداع:
عن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد القاري: أنَّهما سمعا عمر بن الخطَّاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فِإذا هو يقرؤها على حروفٍ كثيرةٍ، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أُساوره في الصَّلاة، فانتظرته حتَّى سلَّم، فلبَّبته، فقلت: من أقرأك هذه السُّورة التي سمعتك تقرأ ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: كذبت ! فوالله إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السُّورة؛ الَّتي سمعتك، فانطلقت به إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده، فقلت: يا رسول الله ! إِنِّي سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروفٍ لم تقرئنيها، وأَنَّك أقرأتني سورة الفرقان، فقال: « يا هشام اقرأها ! » فقرأها القراءة الَّتي سمعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هكذا أنزلت ». ثمَّ قال: « اقرأ يا عمر » فقرأتها التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هكذا أنزلت » ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ القران أنزل على سبعة أحرفٍ، فاقرؤوا ما تيسر منه ».
13ـ خذ ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل:
عن عبد الله بن عمر قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قد كان رسول الله يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقرَ إِليه مني حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه أفقر إِليه مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك ».
14ـ دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه:
رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على عمر ثوباً، وفي رواية: قميصاً أبيض، فقال: « أجديدٌ ثوبك، أم غسيل ؟ » فقال: بل غسيلٌ، فقال: « البس جديداً، وعش حميداً، ومُت شهيداً ».
15ـ لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركنَّ فيها:
عن جابر بن عبد الله: أنَّ أباه تُوُفِّي، وترك عليه ثلاثين وسقاً لرجلٍ من اليهود، فاستنظره جابر، فأبى أن ينظره، فكلَّم جابرٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إِليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلَّم اليهوديَّ ليأخذ ثمر نخله بالَّذي له فأبى، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّخل فمشى فيها ثمَّ قال لجابر: « جُدَّ له، فأوف له الَّذي له » فجدَّه بعدما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوفاه ثلاثين وسقاً، وفضلت له سبعة عشر وسقاً، فجاء جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بالَّذي كان، فوجده يصلِّي العصر، فلمَّا انصرف أخبره بالفضل، فقال: أخبر بذلك ابن الخطَّاب، فذهب جابرٌ إِلى عمر، فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله، ليباركنَّ فيها.
16ـ زواج حفصة بنت عمر ـ رضي الله عنهما ـ من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: حين تأيَّمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السَّهميِّ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي بالمدينة، فقال عمر بن الخطَّاب: أتيت عثمان بن عفَّان، فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبث لياليَ، ثمَّ لقيني، فقال: قد بدا لي ألا أتزوَّج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصِّدِّيق، فقلت: إِن شئت زوَّجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فلم يرجع إِليَّ شيئاً، وكنت عليه أوجد منِّي على عثمان، فلبثت ليالي ثمَّ خطبها رسول الله، فأنكحتها إِيَّاه، فلقيني أبو بكرٍ، فقال: لعلَّك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة، فلم أرجع إِليك شيئاً ؟ قال عمر: قلت: نعم ! قال أبو بكر: فإِنَّه لم يمنعني أن أرجع إِليك فيما عرضت عليَّ إِلا أنِّي كنت علمت: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأُفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قبلتها.
للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي، وهذا الرابط:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172(1).pdf