السبت

1446-05-21

|

2024-11-23

الجانب الفكري عند ابن السنوسي من خلال كتبه؛ نماذج وخلاصات

بقلم: الدكتور علي محمّد الصلابي

الحلقة الثامنة عشر
صفر 1441 ه/ أكتوبر 2019

إن فهم أفكار ابن السنوسي يمكننا الوصول إليها من خلال مؤلفاته التي ضمنها آراءه في عدد من المواضيع، وهذا مهم لفهم الحركة السنوسية لم يستطع المؤرخون أن يحصروا عدد الكتب التي ألفها ابن السنوسي، ذلك أن الكثير منها فقد، وطبع بعضها، ولايزال البعض الآخر، كمخطوطات ، وحاول الدكتور محمد عبدالهادي شعيرة إجراء بحث عن (سيرة ابن السنوسي الكبير وفقد المصادر)، وقد اختلف مؤرخو الحركة في ذكر الكتب التي ألفها ابن السنوسي؛ فزيادة يذكر أن السنوسي الكبير كتب تسعة كتب أحدها كان شعراً)، أما محمد فؤاد شكري، فيذكر اسماء خمسة كتب مطبوعة وثلاثة لم تطبع، وأما الأشهب فيقول ثمانية كتب طبعت وتسعة لم تطبع، وأما اسماعيل باشا البغدادي في كتابه (هداية العارفين في اسماء المؤلفين وآثار المصنفين) نسب لابن السنوسي خمسة وثلاثين مؤلفاً بين كتاب ورسالة ذكر اسماؤها، ولقد ضاعت كتب كثيرة لابن السنوسي نتجة لاحتلال ايطاليا للكفرة، ونتيجة لاحتراق المكتبة في سلوك، وعلى أية حال فإن الكتب المطبوعة من مؤلفات ابن السنوسي هي:
كتاب المسائل العشر المسمى بغية المقاصد في خلاصة الراصد،
مطبعة المعاهد بالقاهرة: آخر 1353هـ.
السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين: وهو بهامش الكتاب السابق.
المنهل الروي الرائق في أسانيد العلوم وأصول الطرائق،
الطبعة الاولى 1373هـ/1954م مطبعة حجازي القاهرة.
إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ،
الطبعة الاولى 1357هـ/1938م مطبعة حجازي القاهرة.
الدرر السنية في اخبار السلالة الادريسية،
الطبعة الاولى 1349هـ مطبعة الشباب بالقاهرة.
الطبعة الثانية 1373هـ مطبعة الشباب بالقاهرة.
رسالة المسلسلات العشرة في الأحاديث النبوية،
1357هـ مطبعة الشباب القاهرة.
رسالة مقدمة موطأ الإمام مالك،
الطبعة الأولى 1374هـ مطبعة الشباب القاهرة.
شفاء الصدر بأري المسائل العشر (الأري: العسل)
1360 مطبعة المحمودية.
أما الكتب التي لم تطبع وورد لها ذكر في الكتب المطبوعة مما يؤكد وجودها فهي:
1- الشموس الشارقة في أسانيد شيوخنا المغاربة والمشارقة :
ورد ذكره في (المنهل الروي) ص6 يسميه ابن السنوسي (فهرستنا الكبرى)، وورد ذكره أيضاً في هدية العارفين تحت اسم (الشموس الشارقة في تراجم مشايخي المغاربة والمشارقة).
2- البدور السافرة في عوالي الأسانيد الفاخرة:
ورد ذكره في (المنهل) صفحة 6 وهو فهرسة صغرى منتخبة من الكبيرة.
وورد في هداية العارفين بعنوان (البدور السافرة في اختصار الشموس الشارقة).
3- الكواكب الدرية في اوائل الكتب الأثرية:
ورد ذكره في (المنهل) صفحة 7.
وورد في هداية العارفين بنفس العنوان مجرداً من (ال التعريف). وهو كتاب يتناول ذكر الكتب التي درسها ابن السنوسي، وأسماء العلماء الذين أخذ عنهم. وقد ذكر مؤلفه ابوابه في كتابه (المنهل) باعتباره سار على نهجه في تأليفه.
4- سوابغ الأيد بمرويات ابي زيد:
ورد ذكره في (المنهل) وفي هداية العارفين. وموضوعه فهارس المشايخ الذين درس عليهم ابن السنوسي.
5- رسالة جامعة في أقوال السنن وأفعالها، وهي منظومة توجد -كما يقول الأشهب- بمكتبة الملك. ولا يرد لها ذكر في (هداية العارفين).
6- هداية الوسيلة في اتباع صاحب الوسيلة
وهي منظومة وتوجد بمكتبة الملك. وقد وردت في (هداية العارفين).
7- طواعن الأسنة في طاعني أهل السنة.
8- رسالة شاملة في مسألتي القبض والتقليد، ويقول الأشهب أنها موجودة بمكتبة الملك.
9- رسالة السلوك، موجودة بمكتبة الملك، وردت في هداية العارفين بعنوان (منظومة السلوك....).
10- شذور الذهب في محض محقق النسب، موضوعة تاريخ اسلاف ابن السنوسي.
هذه أهم الكتب التي ألفها ابن السنوسي وقد شملت هذه المؤلفات عدداً من المواضيع، وكان أكثرها يتناول مباحث فقهية وصوفية، وفيها كتاباً أو كتابين يتناولان مواضيع تاريخية، ونكتفي بأختيار نماذج من تأليفه لنسلط عليها الأضواء ونأخذ فكرة شاملة عنها:
أولاً: المنهل الروي الرائق في أسانيد العلوم وأصول الطرائق:
إن هذا الكتاب يعطي الباحث فكرة عن العلوم التي درسها ابن السنوسي، والطرق التي تعرف عليها، والعلماء الذين أخذ عنهم في الحالين، ويظهر من عرض الكتاب أن ابن السنوسي كان بحراً في العلوم، وأن دراسته جمعت الجانبين الفقهي والصوفي، وقد بين سبب كتابة هذا الكتاب فقال: (فقد وقع الاجتماع في بعض ماقدر لنا من الرِّحل حال الترحال من محل الى محل بجماعة وافرة وعصابة فاخرة ذوي علوم زاخرة، وخيم عاطرة، فكم فيها جهابذة نحارير وأئمة نقد فائق التحارير مابين مريد السلوك الى عرفان مالك الملوك، ومريد الأخد والاجازة رائم التبرك بأسانيد من أجازه، في أقطار واسعة برحابها الشاسعة منهم زمر بنواحي الأعراض وأطراف الجريد وآخرون بطرابلس الغرب وآخرون مراسلون من تونس وما حواليها من البلاد ... وآخرون بالمعمور من زوايا برقة القافرة .. فحصلت بيننا وبين من أمكن الاجتماع به منهم المؤاخاة الأكيدة والخلة السديدة مع تواتر المزاورات ولذيذ المحاورات؛ فتشوقت إذا ذاك انفسهم الزكية.. الى الأخذ والإجازة بما لها من القوانين المستجازة؛ فطلبوا لذلك من هذا العبد الحقير ، البائس الفقير الأجازة والإخبار بجميع مروياته؛ وما وصل إليه من هذا الشأن ولا من فرسان ذلك الميدان. بل لا أرى نفسي أهلا لأن يجاز فضلاً عن أن يستجاز كما قيل :
فلست بأهل إن أجاز فكيف أن
أجيز ولكن الجنون فنون
ولكنهم لعظيم فضلهم وعلو مكانتهم، وجزالة قدرهم، وشغوف استكانتهم، لايستطاع ردهم، ولا يخيب قصدهم ، فكان كالمسوغ لذلك الخطب الهائل، لعاري الأهلية ذي الجيل العاطل؛ تمثلاً بما قيل:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام رباح
إذ ما لا يدرك كله لا يترك قلّه، استرواء بالثمد الضنين عند فقد المعين ويرحم الله القائل:
لعمر أبيك ما نُسِبَ المعُلاّ
الى كرم وفي الدنيا كريم
ولكن البلاد إذا اقشعرت
وصُوّح نبتها رُعى الهشيم
وما أشبه الحال بقول القائل:
إذا غاب ملاح السفينة وارتمت
بها الريح يوماً دبرتها الضفادع
ثم يقول ، فاستخرت الله تعالى واجزتهم بجميع ما يصح لي وعني ورايته.
إن الكلام السابق الذي ذكرته يدل على تواضع ابن السنوسي وهضمه لنفسه، وحبه لإخوانه وتلاميذه، إن ذلك الكتاب فيه اثنى عشر باباً في أشهر الكتب في شتى العلوم، ومقدمة، وخاتمة، ويعطينا فكرة واضحة عن العلوم التي درسها، وقد أخذ ابن السنوسي أسانيد الكتب الأئمة العشرة عن شيوخه، وهي ، موطأ الإمام مالك، ومسانيد الأئمة الثلاثة، مسند الامام أبي حنيفة، ومسند الامام الشافعي، ومسند الامام أحمد، والكتب الستة، صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي المـجتبي ، وسنن ابن ماجة، وفي الباب الثاني ذكر بعض مشاهير السنن وهي عشرة، سنن الامام الشافعي، وسنن أبي عثمان سعد بن منصور الروزي البلخي الخراساني، وسنن النسائي الكبرى وسنن الكشّي، وسننا البيهقي الكبرى والصغرى، وسنن الدراقطني ، والسنة للحافظ أبي بكر الضحاك، والسنة للحافظ أبي القاسم هبة الله الطبري، والسنة للامام أحمد بن حنبل وثالث باب منه على بعض مشاهير المسانيد وهي عشرة، مسند أبي داود الطيالسي ومسند عبد بن حميد أبي يعلى الموصلي، ومسند ابن ابي أسامة، ومسند ابن الزبير الحميدي، ومسند الحميدي، ومسند الفردوس، ومسند ابن ابي شيبة، ورابع باب منه على بعض مشاهير الصحاح الزائده على الستة أو السبعة أو الثمانية السابقة وهي عشرة، صحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة، صحيح الحاكم، وصحيح الاسماعيلي ، وصحيح أبي عوانة، وصحيح الدارمي ، وصحيح ابن نعيم المستخرجان على الصحيحين البخاري ومسلم، وصحيح ابن الجارود، وصحيح الضياء المقدس المسمى بالمختارة، وخامس باب منه على بعض مشاهير المعاجم وهي عشرة، معاجم الطبراني الثلاثة، ومعجم أبي يعلى الموصلي، ومعجم ابن جميع الغساني ، ومعجم ابن قانع البغدادي، ومعجم الاسماعيلي ، ومعجم التنوخي، ومعجم الحاكم، ومعجم الصحابة للبغوي، وسادس باب منه على بعض مشاهير الجوامع وهي عشرة، جامع الاصول الرزين العبدري، وجامع الأصول لابن الأثير الجزري، وجامع عبدالرزاق الصنعاني، وجامعا السيوطي الكبير والصغير، وذيله وجامعهما للمتقي المسمى بكنز العمال الجامع للجامع الصغير، والذيل له المسمى بمنهاج العمال، والجامع المسمى بجمع الزوائد للإمام الهيثمي، والجامع المسمى بجمع الفوائد من جامع الأصول، ومجمع الزوائد لابن سليمان الروداني، والجامع المسمى بكتاب الاصول الى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول، وسابع باب منه على بعض مشاهير المختصرات وهي عشرة، مختصر جامع الأصول المسمى بتجريد الأصول للبارزي، ومختصر جامع الأصول أيضاً المسمى بتيسير الوصول للربيع الشيباني الزبيدي، ومختصره أيضاً لمحمد طاهر الصديقي الفُتّني ومختصر البخاري ومسلم، بالجمع بينهما للحميدي، ومختصر بهما بالجمع بينهما للصاغاني المسمى بمشارق الأنوار، ومختصر البخاري للشرجي، ومختصره للسندي، ومختصرهما ، ومختصر مسلم للمنذري، ومختصر مسلم للسلمي، ومختصر أبي داود للمنذري، وثامن باب منه على بعض مشاهير كتب الأحكام الجامعة وهي عشرة، كتابا الأحكام الكبرى والصغرى لعبد الحق الأشبيلي، وكتاب المنتقى لمجد الدين عبدالسلام بن تيمية الحراني، وكتاب الأموال للقاسم بن سلام الأزدي، وكتاب الآثار لمحمد بن الحسين الشيباني، وكتاب بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني، وكتاب الاعلام لشيخ الاسلام زكريا الأنصاري، وعمدة الاحكام لعبد الغني المقدسي والمصابيح للبغوي، ومشكاة المصابيح للخطيب التبريزي، وتاسع باب منه على بعض المشاهير كتب السير والشمائل وهي عشرة، الشفا للقاضي عياض، الخصائص الكبرى للسيوطي، كتاب الشمائل للترمذي، دلائل النبوة للبيهقي ، سيرة ابن هشام، تهذيب سيرة ابن اسحاق، تهذيبهما للسلمي، سيرتا ابن سيد الناس الكبرى والصغرى؛ الاكتفاء للكلاكي، سيرة الحلبي، المواهب اللدنية للقسطلاني، وعاشر باب منه على بعض مشاهير الأربعينات والأجزاء والمصنفات، فمن الأربعينات الأربعون للقاضي عبدالعزيز ابن جماعة الكناني، والأربعون النووية، والأربعون المكية، والأربعون الباجورية، والأربعون الشحامية، والأربعون الجوزفية، والأربعون الهاشمية، والأربعون المنذرية، والأربعون السلمية، ....ومن المصنفات ، مصنف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنف عبدالرزاق الصنعاني، ومصنف وكيع بن الجراحي، ومصنف حماد بن سلمة الرفعي، وحادي عشر باب منه على خمسة أنواع مشتملة على مايزيد على مائة كتاب...، وثاني عشر باب منه على نحو أربعين تفسيراً وهي على قسمين القسم الأول في تفاسير السلف مما غالبه مأثور، والثاني في تفاسير الخلف؛ فالأول، كتفسير ابن جريج الذي هو أول ماصنف في التفسير، وتفسير الامام مالك بن أنس رواية الجعابي، وتفسير السفيانين الثوري وابن عيينة، وتفسير الامام احمد، وتفسير ابن أبي شيبة ، وتفسير ابن جرير الطبري، وتفسير ابن راهوية، وتفسير ابن مردويه، وتفسير عبدبن حميد، وتفسير وكيع، وتفسير أبي العالية، وتفسير مجاهد، وتفسير الضحاك، وأضرابهم؛ والقسم الثاني، كتفسير ابن عطية والقرطبي، والبغوي، والثعالبي، وتفاسير الواحدي الثلاثة، والكشاف للزمخشري، ومختصر للكواشي، وتفسير الديريني والبيضاوي ، والنسفي وأبي الليث السمر قندي ، والبكري، والقشيري، والحاتمي، والغزالي، والحداد، والغزنوبي، وأبي حيان البحر والنهر ، والجلالين، والدر المنثور للسيوطي ، وابن جُزَيّ والثعالبي، وأبي السعود وأضرابهم.
إن ابن السنوسي -رحمه الله تعالى- اجتهد في طلب العلم، وشد الرحال الى العلماء ، وقد ذكر في كتابه المنهل الروي الرائق، اسماء العلماء والشيوخ ، والفقهاء الذين أخذ عنهم، ولازمهم، ولقد كان على يقين راسخ أن الدعوة الى الاصلاح والنهوض بالأمة تحتاج الى العلم الرباني الذي هو ركن من أركان الحكمة ولذلك حرص على الوصول إليه، وطرق أسبابه والتي من أهمها:
أن يسأل العبد ربه العلم النافع، ويستعين به تعالى، ويفتقر إليه، وقد أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بسؤاله أن يزيده علماً الى علمه، فقال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114].
ومنها : الاجتهاد في طلب العلم، والشوق إليه، والرغبة الصادقة فيه ابتغاء مرضاة الله تعالى، وبذل جميع الأسباب في طلب علم الكتاب والسنة، وما أروع ما قال الشافعي:
أخي لن تنال العلم إلا بستة
سأنبك عن تفصيلها ببيان
ذكاء، وحرص ، واجتهاد، وبلغة
وصحبة أستاذٍ طول زمان
ومنها: اجتناب جميع المعاصي بتقوى الله تعالى فإن ذلك من أعظم الوسائل الى حصول العلم.
قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: 29].
ومنها: عدم الكبر والحياء عن طلب العلم، قال مجاهد: (لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر).
ومنها، بل أعظمها ولُبُّها: الإخلاص في طلب العلم، قال صلى الله عليه وسلم : (من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله -عز وجل-، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) يعني ريحها.
العمل بالعالم: لأن العلم لا يكون ركناً من أركان الحكمة، ودعائمها إلا بالعمل، والإخلاص ، والمتابعة.
هذه بعض الاسباب التي اتخذها ابن السنوسي حتى وصل الى ما وصل إليه، وكان عظيم الاحترام للعلماء، ويرى لا وصول الى العلم النافع بعد توفيق الله إلا من خلالهم وما أجمل ما قاله السخاوي : (من دخل في العلم وحده خرج وحده) أي من دخل في طلب العلم بلا شيخ خرج منه بلا علم.
ثانياً : الدرر السنية في أخبار السلالة الأدريسية:
وهذا الكتاب ألفه ابن السنوسي في التاريخ، ويتحدث عن ملوك الأدارسة الذين حكموا المغرب، الدول التي أقاموها. وفي مقدمته يتحدث عن فضل علم التاريخ، فنقل ماقاله المقريزي: (لاخفاء أن معرفة علم التاريخ المشتمل على علم الأنساب من الأمور المطلوبة، والمعارف المندوبة، لما يترتب عليه من الاحكام الشرعية والمعارف الدينية، ...)، وذكر أن من الصحابة كان أبوبكر  نسابة قريش، ومن أعلم الصحابة في معرفة القبائل وأصولها، وفروعها، وتحدث عمن ألف في علم التاريخ. وذكر منهم؛ عبيد القاسم بن سلام، والبيهقي ، وابن عبدالبر، وابن حزم وغيرهم، ثم قال وذلك دليل شرفه ورفعة قدره) وهذا الكتاب يحتوي على مقدمة وست دول، الدولة الأولى الفاسية وما في ايالتها، الدولة الثانية التلمسانية وما في نواحيها، الدولة الثالثة الغمارية وما في حكمها، الدولة الرابعة السبتية وما في حكمها، الدولة الخامسة الاندلسية وما في حكمها، الدولة السادسة الصحراوية وما في حكمها) ثم اشار الى المراجع التي تعين الطالب على الإلمام بهذه الدول فقال : (وسترى لك واحدة بياناً شافياً على ما عند صاحب القرطاس والمغرب، ومافي العبر لابن خلدون التونسي، وما في سلاسل الفصول لابن خلدون التلمساني ومافي عمدة الطالب لابن عنبة).
قام ابن السنوسي في هذا الكتاب بسرد أخبار هذه الدول، وتطرق الى تاريخ الفتح في المغرب، والى مجيء ادريس الأكبر إليه، ثم ختم كتابه بذكر اسماء حكام المسلمين من عهد الراشدين وذكر خامسهم الحسن بن علي . ثم اثبت ذكر خلفاء بني أمية جميعاً، حتى إذا فرغ من ذلك اتبعهم بخلفاء بني العباس، ونلاحظ في مقدمة الكتاب اعتقاد ابن السنوسي بوجوب كون الأئمة من قريش وكان اسلوبه في كتابه هذا الكتاب على منوال أساليب مؤرخي المسلمين عامة، وهو فيه يقوم بالسرد دون التحليل والتعليل ومادة الكتاب تدل على غزارة اطلاع ابن السنوسي وتذوقه للشعر حيث نجد مقتطفات جميلة من الأشعار، كقول إدريس بن إدريس لنفسه:
لو مال صبري بصبر الناس كلهم
لكل في روعتي وظل في جزعي
بات الأحبة واستبدلت بعدهم
همّاً مقيماً وسلماً غير مجتمع
كأنني حين يجري الهم ذكرهم
على ضميري مجبول على الفزع
تأوى الهموم إذا حركت ذكرهم
إلى جوارح جسم دائم الجزع
وكقول أبي محجن الثقفي الذي تمثل به أبو المهاجر دينار قبل استشهاده مع عقبة:
كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا
وأترك مشدوداً علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وأغلقت
مصارع أبواب تضم المناديا
وكقول الإمام ابن غازي:
وفتح الغرب لسوس الأقصى
موسى وطارق بما لايحصى
وجاءنا إدريس عام قعب
وبنيت فاس في عام قضب
وكقول الحسين بن علي :
وإن تكن الدنيا تعد نفيسة
فإن ثواب الله أعلى وأنبل
وإن تكن الأرزاق قسماً مقدراً
فقلة حزم المرء في الكسب أجمل
وإن تكن الأموال للترك جمعها
فما بال متروك به المرء يبخل
وكقول الفقيه أبي عبدالله المغيسي في وصف فاس متشوقاً إليها حين ولي القضاء بمدينة آزمور، حيث قال:
يافاس حيا الله ارضك من ثرى
وسقاك من صوب الغمام المسبل
ياجنة الدنيا التي أربت على
حمص لمنظرها البهي الأجمل
غرف على غرف ويجري تحتها
ماء ألذ من الرحيق السلسل
وحدائق من سندس قد زخرفت
بجداول كالأيم أو كالفيصل

وبجامع القروي شرف ذكره
أنسى بذكراه بهيج مؤمّلى
وبصحنه زمن المصيف محاسن
فوق العش الغرب منه استقبل
كما أن في هذا الكتاب يتعرض لذم المبتدعة، كالرافضة والمعتزلة ، والجبرية، وقال: ذكر أهل العلم من فضائل المغرب أن الله حماه من فرق المبتدعة، كالمعتزلة، والرافضة، والجبرية، كما يعرض بمذهب محمد بن تومرت عندما تعرض لشيوخه ورحلته في طلب العلم حيث قال: (.. وذهب الى رأيهم في تأويل المتشابه من الآيات، والأحاديث ، بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن أتباعهم في التأويل، والأخذ برأيهم فيه اقتداء بالسلف في ترك التأويل، وإقرار المتشابهات ، كما جاءت، فمنع أهل المغرب من ذلك وحملهم على القول بالتأويل، والأخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم ، ووجوب تقليدهم وألف العقائد على رأيهم مثل (المرشدة) في التوحيد، وكان من رأيه القول بعصمة الامام على رأي الإمامية من الشيعة، وألف في ذلك كتابه في الإمامة الذي افتتحه بقوله (أعز ما يطلب) وصار هذا المفتتح لقباً على ذلك الكتاب...).
إن ابن السنوسي في دراسته الطويلة لم يهمل الجانب التاريخي، لقناعته الراسخة، بأهمية هذا العلم في تحقيق الفوائد التربوية، وادراك السنن الربانية، ومعرفة معالم تاريخ الإنسانية، ومعرفة تاريخ الأنبياء، ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة تاريخ الخلفاء الراشدين، وسير العلماء والمجاهدين والدعاة، وأثر الاسلام في حياة البشر، والتعرف على بعض الحقائق الهامة في حياة البشر، ككون الإنسان يحتاج الى التذكير، ولابد من الصبر على المشاق لتحقيق الأهداف النبيلة، ...الخ.

للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022