من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج1)
(أسباب سقوط خلافة ابن الزبير)
الحلقة: 105
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1442 ه/ ديسمبر 2020
من خلال الدراسة تظهر للباحث أسباب عديدة في سقوط خلافة ابن الزبير وانتصار الأمويين، ومن أهم هذه الأسباب:
1 ـ اتخاذ ابن الزبير الحجاز مقرّاً لخلافته:
يُجمع عدد من الباحثين على أن بقاء ابن الزبير في مكة كان من أهم أسباب إخفاقه ، ولئن كان لتوجه ابن الزبير إلى مكة في بداية الأمر له مبرراته ، إلا أن إصراره على البقاء فيها واتخاذها عاصمة لخلافته لم يكن في مصلحته، وذلك لأن مكة بصفة خاصة والحجاز بصفة عامة لم يعد مكاناً صالحاً ليكون مركزاً لدولة كبيرة مترامية الأطراف، فمكة بعد هجرة النبي ﷺ وأصحابه منها، فقدت دورها السياسي الذي قامت به المدينة إلى عهد عثمان بن عفان، ولما نشبت الفتنة وانتقل علي بن أبي طالب إلى الكوفة، واتخذها عاصمة له، ثم اتخذ معاوية بن أبي سفيان دمشق عاصمة له، بعد أن الت إليه الخلافة، ولم يعد للحجاز ـ خاصة المدينة ومكة ـ دورها السياسي السابق.
ويمكن أن نجمل أثر بقاء ابن الزبير في مكة على حركته في النقاط التالية :
أ ـ الموقع:
فمكة ـ كما هو معروف ـ من حيث الموقع بعيدة عن الشام والعراق؛ وهما الإقليمان اللذان شهدا أهم مراحل الصراع بين ابن الزبير وبني أمية، فهذا البعد لم يتح لابن الزبير الاطلاع ومتابعة ما يحدث من صراع بين الموالين وخصومه، لاسيما مع ضعف إمكانات الاتصال، وبالتالي فإن ذلك لا يتيح لابن الزبير اتخاذ القرارات المناسبة إزاء ما يجري على الساحة، بعكس خصومه الأمويين الذين كانوا يعيشون الأحداث مباشرة.
ومن جانب اخر فإن مكة تقع في واد محصور بين عدة جبال شاهقة، وهي أشبه ما تكون بالمصيدة لمن يعتصم بها حينما تحاصرها الجيوش من كل الجوانب، ويقطعون عنها الإمدادات، وكادت حركة ابن الزبير تخمد منذ وقت مبكر حينما حاصر الحصين بن نمير ابن الزبير داخل مكة سنة 64 هـ، لولا أن الله أنقذه بوفاة يزيد بن معاوية وانسحاب جيش الحصين إلى الشام.
ب ـ الناحية الاقتصادية:
تعتمد مكة بشكل خاص والحجاز بشكل عام في موارده الاقتصادية على ما يأتيه من خارجها وخاصة من الشام ومصر، وانقطاع هذه الموارد يتسبب في إحداث مجاعة ترهق المقيمين فيه، وقد أفاد بنو أمية من هذا العامل إفادة كبيرة في صراعهم مع ابن الزبير، فبعد سقوط مصر والشام في أيدي الأمويين انقطعت الإمدادات التي تصل إلى المدينة ، وبطبيعة الحال فإن مكة سينالها ما نال المدينة، كما لجأ الأمويون إلى هذا السلاح أيام الحصار الأول والثاني .
جـ الموارد البشرية:
تبع قيام حركة الفتوح الإسلامية هجرة العديد من القبائل إلى الأقاليم المفتوحة، وتركزت معظم هذه القبائل في العراق، والشام ومصر ، وقد ترتب على ذلك اختلال معادلة التوزيع السكاني لترجيح كفة هذين الإقليمين على الحجاز الذي عانى من نقص الكوادر البشرية، وهذا النقص في الواقع لم يتح لابن الزبير تكوين جيش قوي يكون مستعداً في أية لحظة لمهاجمة الخصم، أو على أقل تقدير لصد هجومه، ولذلك نجد أن ابن الزبير إزاء هذا الوضع يلجأ دائماً إلى طلب الإمدادات من العراق وهو بذلك يربط تحركاته بما يكون عليه الوضع في هذا الإقليم من حيث استقراره، واستعداد واليه لإرسال المدد، وهذا مما يفوت على ابن الزبير الكثير من الفرص .
2 ـ سياسة ابن الزبير الإدارية والمالية:
لئن وفق ابن الزبير في تعيين بعض ولاته، إلا أن هذا التوفيق لم يكن حليفه في جميع الأحوال، ويبدو أن بقاء ابن الزبير في الحجاز وعدم خروجه إلى الأقاليم الإسلامية لم يتح له التعرف على أهل هذه الأقاليم، وطبائعهم واتجاهاتهم، وتكوين تصور عام عنهم يعينه على اختيار الولاة المناسبين، ولعل أبرز مثال على اضطراب سياسة ابن الزبير في هذا المجال هو العراق ـ بمصريه: الكوفة والبصرة ـ ذلك الإقليم الذي كان يعج بالتيارات المختلفة ـ العقدية والقبلية ـ والذي يحتاج إلى نوعية خاصة من الولاة تحسن التعامل مع أهله، فلو نظرنا إلى ولاة ابن الزبير على إقليمي العراق وسيرتهم لوجدنا ما يدلل على ذلك، ومن ولاته على الكوفة عبد الله بن مطيع العدوي الذي لم يستطع أن يواجه المختار بن أبي عبيد الثقفي، وهرب من أمامه وخلى بينه وبين الكوفة .
وبشكل عام لم يستطع ولاة ابن الزبير ضبط هذا الإقليم الحيوي والاستفادة من طاقات أهله في حرب الأمويين، فقد كان فيه الرجال والأموال، بل على العكس من ذلك فقد كان هذا الإقليم سبباً مباشراً في سقوط خلافة ابن الزبير، وذلك حينما تواطأ أهله مع الأمويين ضد مصعب بن الزبير.
أما فيما يتعلق بصلة ابن الزبير بولاته، فيلاحظ أن ابن الزبير كان يخلي بينه وبين واليه والإقليم الذي حكمه، ويكل إليه إدارته والقيام بشؤونه حتى في القتال ضد الخصوم، ولم يكن ابن الزبير يتدخل في ذلك، فالصلة بين ابن الزبير وبعض ولاته تكاد تكون مقطوعة، مما ترتب عليه سقوط بعض الأقاليم في يد الأمويين، في الوقت الذي كان ابن الزبير يقيم في مكة، ولعل ما حدث لقرقيسياء يدل على ذلك؛ فقد كان زفر بن الحارث الكلابي والياً على هذا الإقليم، وكان يقاتل عبد الملك بن مروان عدة سنوات، وأعاق تقدمه إلى العراق، ولما طال عليه الأمد ولم يقدم له ابن الزبير أي عون اضطر في النهاية إلى التسليم لعبد الملك بن مروان بعد أن أقنعه ابنه الهذيل بن زفر بأن عبد الملك بن مروان خير له من ابن الزبير .
وأما عن سياسة ابن الزبير المالية فبالإضافة إلى قلة موارد ابن الزبير الاقتصادية، يلاحظ أنه كان متأثراً في نظرته لما بين يديه من المال بأسلافه من الخلفاء الراشدين، وخاصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأراد أن يسلك مسلكهم في طريقة الإنفاق، فأصبح ينظر إلى هذا المال أنه مال الله، وهو حق المسلمين، ولا يجوز أن يصرف إلا في أوجهه الشرعية، وتشدد في ذلك؛ وهذه السياسة لم ترق للكثيرين في ذلك العصر؛ لأن الناس ـ كما يقول د. العش ـ لم يكونوا قادرين على فهم هذه السياسة وقبولها ، فلم يسخر ابن الزبير هذا المال في توطيد حكمه، وتقوية صفه وكسب الأنصار، من الأعيان والمؤيدين واستمالتهم لمشروعه الشوري، وبطبيعة الحال لقد خسر ابن الزبير الكثير من المناصرين، خصوصاً إذا عرفنا بأن الأمويين كانوا يغدقون الأموال على الشعراء والأعيان والزعماء لكسبهم.
3 ـ عدم استيعابه لزعماء العراق:
كثير من زعماء القبائل يمكن للحكام أن يستوعبوهم بالأموال والعطايا، فسلاح المال خطير يجذب القلوب ويؤثر في النفوس، فقد روي: أن أخاه مصعباً ذهب إليه بعد مقتل المختار بزعماء أهل العراق، وقال له: يا أمير المؤمنين ! قد جئتك بزعماء أهل العراق وأشرافهم كل مطاع في قومه، وهم الذين سارعوا إلى بيعتك، وقاموا بإحياء دعوتك، ونابذوا أهل معصيتك، وسعوا في قطع عدوك، فأعطهم من هذا المال. فقال له: ... جئتني بعبيد أهل العراق وتأمرني أن أعطيهم مال الله، لا أفعل، وايم الله لوددت أن
أصرفهم كما تصرف الدنانير بالدراهم، عشرة من هؤلاء برجل من أهل الشام ، وجاء في رواية: فقال له أبو حاضر الأسيدي ـ وكان قاضي الجماعة بالبصرة ـ: إن لنا ولكم مثلاً مضى يا أمير المؤمنين، وهو ما قال الأعشى:
عُلِّقتُها عَرَضاً وعُلِّقَت رجلاً
غيري وعُلِّقَ أُخرى غيْرَها الرَّجلُ
عُلِّقناك يا أمير المؤمنين وعُلِّقت أهل الشام، وعُلِّق أهل الشام إلى مروان، فما عسانا أن نصنع؟ قال الشعبي: فما سمعت جواباً أحسن منه ، ثم بعد ذلك خلعوا ابن الزبير وكتبوا إلى عبد الملك بن مروان أن أقبل إلينا .
4 ـ عدم بيعة زعماء بني هاشم له ومعارضتهم لدولته:
فقد امتنع عن بيعته عبد الله بن عباس، ومحمد بن علي بن أبي طالب ـ ابن الحنفية ـ وغيرهم. ولم يعاملهم بالرفق واللين، بل اشتد عليهم في بعض الأحيان .
5 ـ إسراف أخيه مصعب في الدماء بعد القضاء على المختار:
فقد جاء مصعب إلى ابن عمر فسلم عليه، فقال: من أنت؟ قال: أنا ابن أخيك مصعب بن الزبير. قال: صاحب العراق؟ قال: نعم. قال لابن عمر: أسألك عن قوم خالفوا وخلعوا الطاعة وقاتلوا، حتى إذا غلبوا دخلوا قصراً وتحصنوا فيه وسألوا الأمان على دمائهم فأعطوا، ثم قتلوا بعد ذلك، قال: .. يا مصعب لو أن امرأً أتى ماشية الزبير فذبح منها خمسة الاف شاة في غداة أكنت تعده مسرفاً؟ فسكت مصعب. فقال: أجبني، قال: نعم، إني لأعد رجلاً يذبح خمسة الاف شاة في يوم مسرفاً. قال: أفتراه إسرافاً في بهائم لا تعبد الله، وما تدري ما الله، وقتلت من وحد الله؟! أما كان فيهم مستكره يراجع به التوبة أو جاهل ترجى رجعته؟! .
فهذا القتل الكثير في أهل العراق أوغر عليه صدور عشائرهم، وليس ببعيد أن يكون موقفهم منه في معركة دير الجاثليق له علاقة بهذه الأحداث، فالذي قتل مصعباً هو زياد بن ظبيان، فلما ذهب إلى عبد الملك أمر له بألف دينار، فرفض ابن ظبيان أن يأخذ شيئاً وقال لعبد الملك: لم أقتله على طاعتك، فإنما قتلته عل قتل أخي النابأى ، وقيل اشترك في قتله زائدة بن قدامة الثقفي، وقال حين قتله: يا لثارات المختار .
6 ـ تهاون ابن الزبير في أمر الأمويين:
كان الأولى أن يعمل ابن الزبير على منع الأمويين من الخروج من المدينة إلى الشام وبخاصة مروان بن الحكم وابنه عبد الملك، ولو فعل ابن الزبير ذلك لما وجد الأمويون من يلم شعثهم، ويعيد السلطة ثانية، فلم يفكر مروان بن الحكم في الخلافة إلا بعدما خرج من المدينة ووصل الشام، ولم يبذل الجهد المطلوب في دعم مناصريه في الشام، كخروجه على جيش كبير لضبط الأمور بها والقضاء على فتنة الأمويين عند ظهورها.
7 ـ إهماله الدعاية والإعلان:
وأقصد بذلك عدم اهتمامه بالشعراء وإغداق الهدايا عليهم، صحيح أن دعوة عبد الله بن الزبير أيدها مجموعة من الشعراء كعبيد الله بن قيس الرقيات ، الذي قال:
أنتَ ابْنَ معتلجِ البطاحِ
كُدَيّها فكَدَائِها
فالبيتُ ذي الأركانِ
فالمستن منْ بطحائها
إلى أن قال:
ولدت أغرَّ مباركاً
كالبدر وسط سمائِها
في ليلة لا نحس فيـ
ـها سحرها وعشائِها
إن البلادَ سوى بلادك
ضاقَ عرضُ فضائِها
فاجمع بنيَّ إلى بنيك
فأنت خيـرُ رعائِها
نشهدْك منَّا مشهداً
ضنكاً على أعدائِها
نحنُ الفوارسُ من قريش
يوم جدِّ لقائِها
إلا أن المعركة الإعلامية انتصر فيها الأمويون انتصاراً كبيراً على ابن الزبير، فقد كانوا يعطون الشعراء ويشترون الناس بالأموال، فهذا أعشى ربيعة من الشعراء الأمويين يقول:
الُ الزُّبير منَ الخلافةِ كالتي
عجل النتاجَ بحملِها فأحالَها
أو كالضعاف من الحمولة حُمِّلتْ
ما لا تُطيقُ فضيَّعتْ أحمالَها
قوموا إليهم لا تناموا عنهمُ
كم للغواةِ أطلتُمُ إمهالَها
إنَّ الخلافةَ فيكم لا فيهم
ما زلتمُ أركانَها وثمالَها
أمسوا على المعروفِ قفلاً مغلقاً
فانهضْ بيُمنك فافتتح أقفالَها
وسيأتي الحديث عن اهتمام عبد الملك بالشعر والشعراء في الصفحات القادمة بإذن الله تعالى.
8 ـ استخدام الشدة والقوة مع أخيه عمرو بن الزبير:
إن الطريقة التي اتبعها ابن الزبير في القضاء على أخيه عمرو بن الزبير بعدما وقع في الأسر جعلت الناس ينظرون إليه على أنه رجل تنقصه العاطفة والشفقة، وكان لذلك مرده السيِّأى على تعاطف الناس مع قضيته، فعمرو بن الزبير كان يضرب الناس في المدينة بناء على تهم موجهة إليهم بشأن تعاطفهم وتعاملهم مع ابن الزبير، وكان معيناً من قبل الدولة، وكانت قراراته يتخذها بطبيعة عمله، وإن كان فيها شيء من التجني والخطأ والظلم، وبالتأكيد كان الكثير من الناس يتمنون أن يقوم ابن الزبير نفسه بحبسه، أو أن يطلب من كل الذين يدّعون على عمرو بن الزبير بأنه ظلمهم أن يسامحوه ويصفحوا عنه، ويغفروا له خطأه ، لقد اعتبر البعض أن ابن الزبير ما هو إلا طالب سلطة ودولة وإلا لما تعامل مع أخيه بتلك القسوة ، واستغل تلك الحادثة الشعراء الخصوم؛ فقد قال الضحاك بن فيروز الديلمي ساخراً من ادّعاء عبد الله بن الزبير الزهد والصلاح:
تخبرنا أن سـوفَ تكفيكَ قبضةٌ
وبطنُك شبرٌ أو أقلُّ من الشِّبْرِ
وأنتَ إذا ما نلتَ شيئاً قضمتَهُ
كما قضمتْ نارُ الغضا حطبَ السِّدْرِ
فلو كنتَ تجزي أو تبيتَ بنعمةٍ
قريباً لرَدَّتْكَ العطوفُ علـى عمرِو
وقال عبد الله بن الزبير الأسدي مؤلِّباً على ابن الزبير داعياً عليه:
تحدِّثُ من لاقيتَ أنَّكَ عائذٌ
وصرّعْتَ قتلى بين زمزمَ والرُّكْنِ
قتلتم أخاكم بالسِّياطِ سفاهةً
فيا لك للـرأي المُشَـلَّلِ والأَفْـنِ
إلى أن قال:
قطعت من الأرحام ما كان واشجاً
على الشَّيب وابتعت المخافة بالأمن
ـ تفوُّق خصوم ابن الزبير:
ليس بمستغرب أن يتفوق بنو أمية على ابن الزبير، الذي لم تتح له الفرصة لأن يتولى إقليماً من الأقاليم ليكتسب الخبرة، في حين أن بني أمية تهيأت لهم العديد من الفرص، خاصة بعد أن الت الخلافة إليهم في عهد معاوية بن أبي سفيان، وفي الجانب العسكري: نلمس تفوق بني أمية على ابن الزبير من حيث التكتيك الحربي، وقيادة الجيوش، ولعل من أبرز ما يلاحظ في ذلك: أن مروان بن الحكم قد خرج بنفسه على جيش كبير لضم مصر، ثم ابنه عبد الملك باشر حرب العراق بنفسه، وهذا أتاح لهما التعرف على ما يدور في ساحة القتال عن كثب، كما أنه يعطي المقاتلين دفعة معنوية كبيرة، وفي المقابل نجد ابن الزبير يعتمد على قواده أو ولاة الأقاليم في حروبه ولم يغادر مكة قط، وقد انتقد عبد الملك بن مروان هذه السياسة فقال: إن عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لأبدى صفحته، واسى أنصاره بنفسه، ولم يغرز ذنبه في الحرم . ويلاحظ أيضاً أن بني أمية منذ صراعهم مع ابن الزبير كانوا دائماً في موضع المهاجم، بعكس ابن الزبير الذي ظل في موقف الدفاع .
10 ـ الظروف التي نشأت فيها حركة ابن الزبير:
إن من الإنصاف أن نذكر أن الظروف السيئة التي وجدت فيها حركة ابن الزبير ساهمت إلى حد كبير في سقوط خلافته، تمثلت هذه الظروف بظهور التيارات والاتجاهات المذهبية، والقبلية، وانعدام الاستقرار السياسي الذي هو من أهم الشروط لقيام حكم مستقر، لقد أشغل الخوارج ابن الزبير كثيراً، كما أن حركة المختار أخذت من جهده ووقته ورجاله، فهذه الحركات ذات المنطلقات العقائدية أشغلت ابن الزبير كثيراً عن التفكير في تنظيم دولته، كما استنزفت الكثير من طاقاته المادية والبشرية .
11 ـ رابعاً: رثاء عبد الله بن الزبير:
رُثي ابن الزبير بقصائد كثيرة مبكية حزينة حفظها لنا التاريخ، ولم تهملها الليالي، ولم تفصلها عنّا حواجز الزَّمن، ولا أسوار القرون، ومما قيل في رثائه: ما قاله عبد الله بن أبي مسروح:
لقد أدركت كتائب أهل حمص
لعبدِ الله طرفاً غير وعلِ
شجاع الحرب إذ شدّت وقوداً
وللحادين خيرُ محلّ رحلِ
ومن ذا يكره الأبطالَ منه
إذا اعتنشوا طريقاً غير سهلِ
فمالِ للشامتين بنا أصيبوا
وقلُّوا من سراتهم لمثلِ
وقال قيس بن الهيثم السلمي:
فقدْنا مصعباً وأخاه لمّا
نَفَتْ سماؤهما المحُولا
وكنَّا لا يرام لنا حريمٌ
تُسحّبُ في مجالسنا الذُّيُولا
إذا أمِنَ الجنابُ، وإن فزعْنَا
ركبنا الخيلَ واجتنبنا الشَّليلا
ونرمي بالعدواةِ من رَمَانا
ونوطئهم بها وطأً ثقيلا
فيا لهفي ولهفَ أبي وأمِّي
لقدْ أصبحتُ بعدهُمَا ذليلا
ويا لهفاً على ما فاتَ مني
ألا أصبحتُ في القتلى قتيلا
ولم أصبحْ لأهلِ الشَّام نَصْباً
يذكرني ابنَ مروان الذُّحولا
فلا رفداً يعدّ ولا غناءً
ولا إذْناً ولا حبساً جميلا
ولكن بين ذلك بين بين
لقد ضلّ ابنُ مروانَ السبيلا
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: