(في مسالة أسباب سقوط الدولة الأموية)
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 268
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ يوليو 2021
إن أسباب سقوط الدولة الأموية كثيرة ، جامعها هو الابتعاد عن تحكيم شرع الله في الأمور السياسية والمالية ، وقد وقع الظلم على الأفراد ، وتورط بعض الخلفاء في الترف ، وحدث بينهم نزاع عظيم أدى إلى زوالهم ، فعندما يغيب شرع الله في أمور الحكم ، كما حدث في السنوات الأخيرة من الدولة الأموية؛ يجلب للأفراد والدولة تعاسة وضنكاً في الدنيا ، وإن اثار الابتعاد عن شرع الله لتبدو على الحياة في وجهتها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وإن الفتن تظل تتوالى وتترى على الناس حتى تمس جميع شؤون حياتهم ، قال تعالى: [النور: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *}
لقد كان في ابتعاد أواخر خلفاء الدولة الأموية عن تحكيم الشرع اثار على أفراد البيت الأموي والدولة ، فقد أصيبوا بالقلق والجزع والخوف والشقاق والخلاف ، ونزع منهم الأمن وأصبحوا في ضنك من الحياة.
إن هلاك الأمم وسقوط الدول وزوال الحضارات لا يحدث عبثاً في حركة التاريخ ، بل نتيجة لممارسة هذا الأسرة الحاكمة أو الدولة أو الأمة ، الظلم والانحراف ، وبعد أن يعطوا الفرصة الكافية حتى تحق عليهم الكلمة ، فيدفعوا ثمن انحرافهم وإجرامهم وطغيانهم وفسقهم ، والايات صريحة في ذلك ، فالله إذا أنعم على دولة نعمة أياً كانت ، فهو لا يسلبها حتى يكفر بها أصحابها ، قال تعالى: [الأنفال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
والايات في هذا كثيرة ، سواء ما يخص الفرد أو الأمة ، بل إن القران الكريم ليذكر أن بعض ما يصيب الأمم والأفراد من استدراج حين يمهلهم الله تعالى وتواتيهم الدنيا ، وتفتح عليهم خيراتها ، فينسوا مهمتهم وما خلقوا له ، بل ينسون المنعم جل جلاله وينسبون ما عندهم لجهدهم ، وذكائهم ، وقد يفلسفون الأمر فيقولون: لو لم نكن نستحق هذه النعم لما مُنحت لنا ، وفي هؤلاء يقول تعالى: [الأنعام: 44 ـ {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ *فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}
لقد نسي هؤلاء أن الله يمنح خيرات الدنيا لمن يطلبها ويجدّ فيها ، قال تعالى: [ال عمران: 145]. ولكن هناك من يريد الاخرة {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} ، ويسعى لذلك فهو الفائز [الإسراء: 18 ـ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا *وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا *كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا *} ، وقال تعالى: [النحل: 112 ـ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرْتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ *وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ *}
ولنستمع لهذه الدعوة الكريمة: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ} [هود: 52]. وهناك ايات كثيرة تحاول قطع الطريق على بعض المتفلسفين من أهل الكتاب: [المائدة: {السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ويَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ * يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ}فكل إنسان وكل مجتمع وكل أمة مسؤولة عما يصدر عنها ، ولا يتحمل أحد جريرة غيره:
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [البقرة: 134].
والمهم أن الله تعالى لا يحجب نعمه عن أحد ، بل يوزعها على المؤمن والكافر ثم يراقب تصرف الكل فيها ، فمن طغى وظلم ، ومن كفر بها واستعملها استعمالاً سيئاً فإن العقاب العادل سينزل به في الوقت المناسب ،
ومثل هذا في الأمم والمجتمعات وعلى مستوى {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} ، فإن الله خلق النفوس مُلهماً إياها طريق الخير والشر ، يقول تعالى: [الشمس: 7 ـ 10]. وقال: [البلد: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا *قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ *}.
ومن الملاحظ في دراسة أسباب سقوط الدول والحضارات بأنها لا تسقط بسبب واحد ، كما لا تقوم بسبب واحد ، بل تتجمع عدة أسباب لقيامها ، وعدة أسباب لتدهورها وسقوطها ، بعضها يعمل ببطء ، بينما يعمل البعض الآخر بسرعة أكبر.. ولا تسقط الدولة ـ أو الحضارة ـ بضربة واحدة ، بل تتظافر جملة من العوامل ، وهذا ما حدث للدولة الأموية التي زالت من الوجود في المشرق الإسلامي في عام 132 هـ .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: