الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

(مقتل مروان بن محمد اخر الخلفاء الأمويين 132 هـ):

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 267

بقلم: د. علي محمد الصلابي

ذو الحجة 1442 ه/ يوليو 2021

استولى عبد الله بن علي العباسي على الجزيرة والشام ، وهرب مروان بن محمد إلى مصر ، فاتبعته الجيوش العباسية ، وعبر مروان النيل فلحقه صالح بن علي عم السَّفَّاح ، فأدركه بقرية من قرى الفَيُّوم من أرض مصر يقال لها: بُوصير ، فوافاه صائماً وقد قُدّم له الفطور ، فسمع الصائح ، فخرج وسيفه مصلت ، فجعل يضرب بسيفه ويتمثل بقول الحجَّاج بن حكيم:

متقلّدينَ صفائحاً هنديةً يتركْنَ من ضربوا كأن لم يولدِ

وإذا دعوتَهم ليوم كريهةٍ وافوك بين مكبِّرٍ وموحّدِ

فقصدته الخيول من كل جانب ، وبقي يقاتل حتى قتل ، وكان من كلامه قبل أن يقتل: إن الجزع لا يزيد في الأجل ، وإن الصبر لا ينقص الأجل ، وكان يتمثل بهذين البيتين كما جاء في بعض الروايات:

ذلُّ الحياةِ وهولُ الممات وكلاًّ اراه وخيماً وبيلا

فإن كان لا بدَّ من ميتةٍ فسيري إلى الموتِ سيراً جميلا

وكان أهله وبناته في كنيسة هناك ، فأقبل خادمه بالسيف مصلتاً يريد الدخول عليهم ، فأُخذ وسئل عن مراده ، فقال: إن مروان أمرني إذا تيقنت موته أن أضرب رقاب نسائه وبناته فأرادوا قتله ، فقال: إن قتلتموني لتفقدن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قالوا: فدلنا على ذلك إن كنت صادقاً ، فخرج بهم إلى رمل هناك ، فكشفوه فإذا فيه القضيب والبُرد والقَعبُ... فأخذوه ، وكان الذي تولى قتله عامر بن إسماعيل الخُراساني ، وهو صاحب مقدمة صالح ، ولما قتله دخل بيته ، وركب سريره ، ودعا بعشائه ، وجعل رأس مروان في حجر ابنته ، وأقبل يوبخها ، فقالت له: يا عامر ، إن دهراً أنزل مروان عن فراشه وأقعدك عليه حتَّى تعشيت عشاءه لقد أبلغ في موعظتك ، وعمل في إيقاظك وتنبيهك إن عقلت وفكرت ، ثم قالت: وا أبتاه وا أمير المؤمنيناه ، فأخذ عامراً الرُّعب من كلامها، وبلغ ذلك أبا العباس السَّفَّاح ، فكتب إلى عامر يوبّخه ويقول: أما في أدب الله ما يخرجك عن عشاء مروان والجلوس على مهاده.

وكان مروان بطلاً شجاعاً ، ظالماً ، أبيض ، ضخم الهامة ، ربعة ، أشهل العين ، كث اللحية ، أسرع إلى الشيب ، ذكره المنصور مرّةً فقال: لله درُّه ما كان أحزمه وأسوسه ، وأعفَّه عن الفأي. وكان نقش خاتمه: اذكر الله يا غافل.

وقد قيل: إن مروان قتل يوم الإثنين لثلاث عشرة خلت من ذي الحجَّة سنة ثنتين وثلاثين ومئة ، وقد جاوز الستين.

وبموته زال ملك بني أمية ، وجميع خلفاء بني أمية من لدن معاوية إلى مروان بن محمد أربعة عشر رجلاً ، وكانت مدة خلافة بني أمية مُنذ أن خلص الأمر لمعاوية ، وإلى أن قتل مروان بن محمد إحدى وتسعين سنة وتسعة أشهر وخمسة أيام؛ منها ـ خلافة ـ ابن الزبير تسع سنين وعشرون يوماً ، ثم تفرقت بنو أمية في البلاد هرباً بأنفسهم ، وهرب عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس وبايعه أهل الأندلس عام 138 هـ ... لقد انقضت تلك السنون وأهلها ، فكأنهم على ميعاد.

وهكذا انتهت دولة بني أمية في المشرق التي عمّرت في الأرض عقوداً مديدة وأعواماً عديدة ، وأقاموا فيها المدن المنيعة ، والقصور الرفيعة ، ولكن ذهبوا وتركوا كل ذلك ، ولقد لحقتهم دول وشعوب وأمم ، وإليك هذا التصوير عن تلك النهايات التي فيها الدروس والعبر لمن ألقى السمع وهو شهيد ، قال الشاعر أبو العتاهية:

أينَ القرونُ الماضيه تركوا المنازلَ خاليه

فاستبدلت بهم ديا رُ هم الرياحَ الهاويه

وتشتتْ عنها الجمو عُ وفارقتْها الغاشيه

فإذا محلٌّ للوحو شِِ وللكلاب العاويه

دَرَجُوا فما أبقتْ صُرو فُ الدهرِ منهم باقيه

لم يبقَ منهمْ بعدهمْ إلا العِظامُ الباقيه

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

الجزء الأول:

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf

الجزء الثاني:

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf

كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022