الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

حصار واسط ومقتل ابن هبيرة

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 266
بقلم: د. علي محمد الصلابي

ذو الحجة 1442 ه/ يوليو2021

أرسل أبو العباس أخاه أبا جعفر لقيادة الحصار المضروب على يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري ، الذي حصن نفسه في واسط ، ورفض الاقتراح بالهجوم على الكوفة ، كما رفض الالتحاق بمروان الثاني ، وكان الحسن بن قحطبة قائداً للجيش الخراساني ، ولكن الخليفة رأى من الأفضل إرسال عباسي لقيادة الجيش ، وكتب رسالة إلى الحسن الطائي قائلاً: إن العسكر عسكرك والقواد قوادك ، ولكن أحببت أن يكون أخي حاضراً فاسمع له وأطع ، وأحسن مؤازرته. وكتب إلى أبي نصر مالك بن الهيثم بمثل ذلك ، فكان الحسن المدبر لذلك العسكر بأمر أبي جعفر.
وكان جيش ابن هبيرة كبيراً يتكون من الجند السوري الموجود في العراق ، ومن أهل خراسان الموالين لبني أمية ، ومن أهل العراق اليمانيين والقيسيين. على أن ضعفه كان بارزاً يتمثل في العصبية القبلية التي شقته فشلَّت حركته ، ولذلك لم يصمد مع ابن هبيرة على القتال إلا الصعاليك والفتيان.
وقد استطاع أبو جعفر أن يكسب اليمانية في واسط بإغرائهم قائلاً: السلطان سلطانكم والدولة دولتكم. فانشق زياد الحارثي مع اليمانية عن ابن هبيرة ، وجذب معه شيوخاً اخرين ، ويظهر أن هؤلاء الشيوخ كانوا قد سئموا الأمويين وأملوا الخير العميم من دولة (أهل البيت) الجديدة.
لقد دام الحصار حوالي 11 شهراً ولما يفكر ابن هبيرة بالاستسلام حتى سمع بنبأ نهاية مروان ، فلم يبق مبرر للمقاومة ، فجرت محادثات للصلح ، وأعطى أبو جعفر أماناً لابن هبيرة شاور فيه ابن هبيرة الفقهاء والعلماء أربعين يوماً حتى يرى نقاط الضعف والقوة فيه ، ثم وافق عليه ، وأرسله إلى أبي جعفر لأخذ وافقة الخليفة عليه ، وقد أورد ابن أعثم الكوفي نص الأمان. على أن السلطة العباسية لم تكن لتحتمل ذلك القائد والوالي ذا النفوذ القبلي الكبير ، والذي كان يعامل أبا جعفر وكأنه مساوياً له من حيث المنزلة ، وكان يحف به في ذهابه وإيابه (800) مقاتل بين فارس وراجل.
والواقع فإن أبا جعفر أراد أن يكسبه للدولة الجديدة ، فكان يقول: عجباً لمن يأمرني بقتل مثل هذا. كما أنه كان يستشيره فيشير إليه قائلاً: إن دولتكم هذه جديدة، فأذيقوا الناس حلاوتها وجنبوهم مرارتها؛ لتسرع محبتكم إلى قلوبهم ، ويعذب ذكركم على ألسنتهم ، على أن الخليفة أمر أبا جعفر بقتله لأسباب سياسية ، وتعددت الروايات التاريخية في أسباب قتله؛ فمنهم من يذكر أنه كان بتحريض من أبي مسلم الذي كتب إلى الخليفة: أنه قلّ طريق سهل تلقى فيـه حجارة إلا ضرّ ذلك بأهلـه ، ولا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة، وقد تردد أبو جعفر في قتله وقال: لا أفعل وله في عنقي بيعة وأمان. فأجابه أبو العباس: والله لتقتلنه أو لأبعثن إليك من يخرجه من عندك ويتولى ذلك عنك.
وواضح أن الخليفة رأى في ابن هبيرة خطراً على الدولة الجديدة ووافقه في ذلك أبو مسلم ، قال الذهبي في مقتل ابن هبيرة: فحاصره المنصور مدة ، ثم خدعه المنصور وأمَّنَه ، ونكث ، فدخلوا عليه داره فقتلوه صبراً وابنه داود ومماليكه وحاجبه ، فسجد لله فنزلوا عليه فهبروه، وكان بطلاً شجاعاً سائساً جواداً ، فصيحاً خطيباً، وكان رزقه في السنة ستمئة ألف ، وكان يفرقها في العلماء والوجوه. وهكذا قضى العباسيون على جيب من الجيوب الأموية في العراق وسقطت مدينة واسط.
استسلام البصرة:
اعتصم مسلم بن قتيبة الباهلي بالبصرة ، ودافع عنها بصفته الوالي الأموي ، وظل فيها حتى علم بمقتل ابن هبيرة ، وحينئذ ترك البصرة إلى الحجاز ، وعين بدله أحد الهاشميين والياً على البصرة؛ حيث استبدله أبو العباس بسفيان المهلبي ، وبهذا سيطر العباسيون على البصرة. لقد استطاع العباسيون أن يقضوا على فلول الأمويين ومراكزهم الحصينة في العراق وبلاد الشام ، وقضوا على اخر خلفائهم مروان الثاني.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022