الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

(انتصار العباسيين على الأمويين في معركة الزاب 132 هـ):
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 265
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ يوليو 2021
تحركت جيوش العباسيين لملاقاة جيوش الدولة الأموية التي كان يقودها الخليفة الأموي مروان بن محمد الذي تخندق بين دجلة والزاب الكبير ، وكان جيشه مؤلفاً من أهل الشام والجزيرة الفراتية على شكل كتائب منها الصحصحية والراشدية والمحمرة والدوكانية ، كما انضم إليه البدو وبعض قبائل الجزيرة.
ولقد كانت القوات الأموية والعباسية بنفس العدد تقريباً ما بين 20000 ـ 24000 جندي ، على أنهم لم يكونوا بنفس الانسجام ، والقوة المعنوية التي تميز بها جند الدعوة العباسية ، وقد عملت العصبية القبلية عملها في جيش مروان الذي كان يتكون في غالبيته من القبائل القيسية.
وكانت المعركة يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الاخرة من سنة 132 هـ ، فقال مروان لأهل الشام: قِفوا لا تبدؤوهم بقتال ، فخالفه الوليد بن معاوية بن مروان ـ وهو ختن مروان على ابنته ـ فحمل ، فغضب مروان وشتمه فقاتل أهل الميمنة ، ونودي في الجيش العباسي: الأرض ، فنزل الناس وأشرعوا الرّماح ، وجثوا على الرُّكب وقاتلوهم ، وجعل أهل الشام يتأخّرون ، كأنما يُدفعون ، وجعل عبد الله بن علي يمشي قدماً وهو يقول: يا ربّ حتى متى نقتل فيك؟ ونادى: يا أهل خُراسان ، يا لثارات إبراهيم ! يا محمد ! يا منصور ! واشتد القتال بين الناس جدَّاً. فأرسل مروان إلى قضاعة يأمرهم بالنزول ، فقالوا: قل لبني سليم فلينزلوا. وأرسل إلى السَّكاسِكِ أن احملوا. فقالوا: قل لبني عامر فليحملوا ، فأرسل إلى السَّكون أن احملوا. فقالوا: قل لغطفان فليحملوا. فقال لصاحب شرطته: انزل. فقال: لا والله لا أجعل نفسي غرضاً. قال: أما والله لأسوءَنك ، قال: وددت والله أنك قدرت على ذلك.
ثم انهزم أهل الشام واتَّبعهم أهل خُراسان في أدبارهم يقتلون ويأسرون ، وكان من غرق من أهل الشام أكثر ممن قُتل ، وقد أمر عبد الله بن علي بعقد الجسر ، واستخراج من هلك من الغرقى ، وجعل يتلو قوله تعالى: [البقرة: 50]. وأقام عبد {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ *} بن علي في موضع المعركة سبعة أيام ، وقد قال رجل من ولد سعيد بن العاص في مروان وفراره يومئذ:
لجَّ الفرارُ بمروانَ فقلتُ له عادَ الظَّلومُ ظَليماً هَمُّه الهَرَبُ
أين الفِرارُ وتركُ الملكِ إذ ذهبتْ عنك الهُوينَ فلا دينٌ ولا حسبُ
فراشةُ الحلمِ فرعونُ العقابُ وإن تطلب نداه فكلبٌ دونَه كلبُ
واحتاز عبد الله ما كان في معسكر مروان من الأموال والأمتعة والحواصل ، ولم يجد فيه امرأة سوى جارية كانت لعبد الله بن مروان ، وكتب إلى أمير المؤمنين أبي العباس السَّفاح يخبره بما فتح الله عليه من النّصر ، وما حصل لهم من الأموال؛ فصلَّى السَّفَّاح ركعتين شكراً لله عز وجل ، وأطلق لكلّ من حضر الوقعة خمسمئة خمسمئة ، ورفع في أرزاقهم ، وجعل يتلو قوله تعالى: [البقرة: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ}
كانت هذه المعركة من المعارك الحاسمة؛ فقد بدأت دولة جديدة هي دولة بني العباس، وأنهت دولة قديمة هي دولة بني أمية ، لقد ارتكب مروان خطأ استراتيجياً كبيراً بعبوره إلى الساحل الأيسر من الزاب الكبير؛ فَقدْ فَقَدَ سيطرته وموقعه الحصين، ولذلك خسر المعركة وانسحب باتجاه الموصل التي أغلقت أبوابها، فاضطر إلى الانسحاب إلى الشام يتبعه عبد الله بن علي العباسي ، وقد حاول مروان أن يستنجد بالقبائل الشامية في قنسرين وحمص ، ولكنها لم تستجب له ، بل على العكس هاجمته لغرض سلب مؤنه وأرزاقه ، ولم يستطع مروان البقاء طويلاً في دمشق؛ حيث انقسم الناس إلى قسمين: بين مؤيد للأمويين ، ومعارض لهم ، بل أقسمت بعض القبائل اليمانية يمين الولاء لبني هاشم ، فتركها متجهاً نحو فلسطين فمصر ، وسيأتي الحديث عن مقتله بإذن الله تعالى.
وقد حصد مروان الثاني ثمار سياسته القبلية باعتماده على قيس وأخذه الناس بالشك والشبهة حتى تفرقوا عنه ، وقال قولته المشهورة وهو يتراجع باتجاه مصر: انفرجت عني قيس انفراج الرأس ما تبقي منهم أحداً ، وذلك أننا وضعنا الأمر في غير موضعه.
وأما دمشق فلم تستسلم أول الأمر لعبد الله بن علي ، واعتصم أهلها وراء أسوار المدينة ، ولكن عبد الله دعا اليمانيين في المدينة وأغراهم ووعدهم خيراً ، قائلاً: إنكم وإخوانكم من ربيعة كنتم بخراسان شيعتنا وأنصارنا... فانصرفوا وخلوا بيننا وبين مضر. فانضموا إليه ودخل الجيش العباسي مدينة دمشق.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022