سيطرة أبي مسلم على خراسان
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 262
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ يوليو 2021
سعى نصر بن سيار للوصول إلى هدنة مع ابن الكرماني وشيبان الصغير للقضاء على أبي مسلم ، واستطاع الأخير أن يفسد تلك المساعي بدسائسه ومكره وخداعه؛ فقد أسرع أبو مسلم فاعترف بابن الكرماني أميراً على خراسان ، وبدأ هو وأصحابه يصلي وراءه ، وهكذا نجح أبو مسلم في إشباع رغبة ابن الكرماني المتعطشة للسلطة والإمارة ، فلم يكن الوقت وقت منافسة على السلطة ، بل كان الهدف هو ضمان كسب أتباع ابن الكرماني إلى جانب الثورة العباسية ، وقد كانت هذه خطوة بارعة لضمان وحدة الجند الخراسانية في كتلة واحدة.
ولما يئس نصر من أية مساعدة من العراق كتب إلى مروان رسائل لحثه على إمداده ،ولكن بدون جدوى ، ولانشغال مروان بالحروب الداخلية في بلاد الشام والعراق والحجاز ، وبعد أن فشل نصر في محاولته الأولى لكسب ابن الكرماني ، وفي محاولته الثانية لكسب شيبان الصغير ، حاول هذه المرة أن يتقرب نحو أبي مسلم في نفس الوقت الذي ينتظر فيه الإمدادات من الخليفة ، لقد أمل نصر أن يفرّق بين أبي مسلم وابن الكرماني ، فدبر أمر اجتماع حضرته وفود نصر المضرية ووفود ابن الكرماني ومندوبين عن أبي مسلم الذين امتدحوا وفد ابن الكرماني ، وفضلوه على وفد نصر؛ حيث قرر سليمان الخزاعي وطلحة الخزاعي ومزيد السلمي التحالف مع ابن الكرماني ضد نصر ، وبذلك كسبت الدعوة العباسية مصدر القوة في خراسان إلى جانبها؛ ألا وهي القبائل العربية من أتباع ابن الكرماني.
أ ـ خطة أبي مسلم للاستيلاء على العاصمة مرو:
كانت خطة أبي مسلم وابن الكرماني الاتية هي الاستيلاء على العاصمة مرو. وتختلف الروايات التاريخية في كيفية فتح مرو ، ولكن الظاهر أن أبا مسلم كان حذراً ومرناً في موقفه تجاه كتلة نصر وكتلة ابن الكرماني ، فرغم اعترافه بأن ابن الكرماني والٍ على خراسان ، فإنه كان يؤمل أن يكسب نصراً أو أتباعه إليه بطريقة أو بأخرى ، فضمن الحماية لوفد نصر الذي حضر الاجتماع الانف الذكر ، كما سمح نصر للشيعة العباسية بالتسوق من أسواق مرو دون مهاجمتهم ، ولكن حدث وأن قام نزاع بين بكر بن وائل من ربيعة ، وبين بعض المضريين في سوق مرو ، فساعد نصر المضرية ، بينما أنجد ابن الكرماني الربعية ، ودعا ابن الكرماني أبا مسلم إلى مساعدته والانضمام إليه ، إلا أن أبا مسلم تشاغل حتى تأكد من احتدام الصراع العنيف ، فتدخل إلى جانب ابن الكرماني؛ حيث دخلت قواتهما مرو في 130 هـ ، وعلى المقدمة أسيد الخزاعي وعلى الميمنة مالك الخزاعي وعلى الميسرة القاسم التميمي وهو يتلو: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ} [القصص: 15]. وأمر بالكف عن القتال وبدا الان الوجه الحقيقي للدعوة بالظهور بصورة تدريجية ألا وهو الوجه العباسي ، فحين جُمع الأنصار لتقديم الولاء أكد أبو مسلم على الشيعة الهاشمية ، مما يشير إلى أن هؤلاء الذين كانوا جند العقيدة العباسية المخلصين هم عماد الثورة وليس الجماعات الأخرى التي استغلت من قبل الثورة ، وقد أصبحت مرو الشاهجان العاصمة ، وقراها ثم مرو الروذ وهيرات وأبيورد تحت نفوذ الشيعة العباسية.
ب ـ مقاومة بلخ القوات العباسية التي وجدت صعوبة في احتلالها ، وذلك لأسباب ثلاثة:
* أن المقاتلة العرب في بلخ كانوا متحدين لم تتنازعهم العصبية القبلية ، ولذلك فإن أسد بن عبد الله القسري وطّنهم فيها ككتلة واحدة دون الأخذ بخطة الأخماس التي كانت مستعملة في البصرة ، ولذلك كان العرب في بلخ موالين للأمير ومخلصين للأمويين.
* أن الجند السوري في بلخ وعدده (2500) كان موالياً لنصر بن سيار.
* أن السكان الإيرانيين المحليين في طخارستان وأقاليم أخرى في بلاد ما وراء النهر أظهروا مساعدتهم للوالي الأموي ، وعلى حدّ قول الطبري: فقد اتفقت مضر واليمن وربيعة والعجم في بلخ على قتال المسودة.
إن مقاومة بلخ للدعوة العباسية ظاهرة مهمة ، وذلك لأنها ربما كانت من أول الأحداث السياسية التي تميط اللثام عن بعض أساليب الدعوة العباسية ، فنحن نلاحظ أولاً بأن الدعوة استغلت العصبية القبلية فنجحت؛ حيث وجدت العصبية ، وفشلت في بلخ حيث كان العرب متحدين على اختلاف قبائلهم ومخلصين لواليهم الأموي ، ثم إن هذه الحادثة تظهر ثانياً بأن الدعوة العباسية لم تكن فارسية موجهة ضد العرب ، ذلك لأن السكان المحليين الإيرانيين وأمراءهم في بلخ وقفوا إلى جانب الأمويين ضد العباسيين. وقد قاتل الموالي مع العرب جنباً إلى جنب لاسترداد بلخ من المسودة ، كما وأنها تكشف ثالثاً خطأ ما ذهب إليه بعض المؤرخين من أنه كان هنالك في إيران تذمر عميق ضد الحكم العربي الإسلامي الذي لم يعطِ الموالي حقهم. فلو كان الأمر كذلك لهبَّتْ خراسان وبلاد ما وراء النهر عن بكرة أبيها لتدعم حركة المسودة.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com