الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

طلب نصر بن سيار المدد من مروان بن محمد

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 260
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ يوليو 2021

نشبت الحرب بين نصر بن سيار وبين ابن الكرماني وهو علي بن جديع الكرماني ، فقتل بينهما من الفريقين خلق كثير ، وجعل أبو مسلم يُكاتب كُلاًّ من الطائفتين ويستميلهم إليه ، يكتب إلى نصر وإلى ابن الكرماني: إنّ الإمام قد أوصاني بكم خيراً ، ولست أعدو رأيه فيكم. وكتب إلى الكور يدعو إلى بني العباس ، فاستجاب له خلق كثير وجمٌّ غفير ، وأقبل أبو مسلم ، فنزل بين خندق نصر بن سيار وخندق علي بن جديع الكرماني ، فهابه الفريقان جميعاً وكتب نصرُ بن سيار إلى الخليفة مروان بن محمد الملقب بالحمار ، يعلمه بأمر أبي مسلم ، وكثرة من معه ، وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد ، وكتب في كتابه:
أرى بين الرّمادِ وميضَ جَمْرٍ فأحْرِ بأن يكونَ لهُ ضِرامُ
فإنَّ النارَ بالعودَيْنِ تُذْكى وإن الحربَ مبْدؤها الكلامُ
فقلتُ من التَّعَجُّبِ ليتَ شعري أأيقاظٌ أميةُ أم نيامُ
فكتب إليه مروان: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فقال نصر: إن صاحبكم قد أعلمكم أن لا نصرة عنده. وبعضهم يرويها بلفظ اخر:
أرى خَلَلَ الرَّمادِ وَميضَ نارٍ فيوشِكُ أن يكونَ لها ضِرامُ
فإنَّ النارَ بالزِّنْدَيْنِ يُورَى وإن الحربَ أولها الكلامُ
لئنْ لم يُطفِها عقلاءُ قومٍ يكونُ وَقودَها جثثٌ وهامُ
أقولُ من التعجُّب ليتَ شعري أأيقاظٌ أمية أم نيامُ
فإن كانُوا لحينِهِمُ نياماً فقل قوموا فقدْ حانَ القيامُ
وكتب إليه:
أبلغْ يزيدَ وخيرُ القولِ أصدَقُهُ وقد تبينت أنْ لا خيرَ في الكذبِ
بأن خراسانَ أرضٌ قد رأيتُ بها بيضاً لو أفرخَ قد حُدثتَ بالعجبِ
فِراخ عامين إلا أنها كبرتْ لمّا بُطِرنَ وقد سُرْبِلْنَ بالزَّغَبِ
فإن يطرْنَ ولم يُحْتَلْ لهنّ بهَا يُلهبْنَ بِنيران حربٍ أيَّما لَهَبِ
فبعث ابن هبيرة بكتاب نصر إلى مروان.
ب ـ دعاية نصر بن سيار ضد دعوة أبي مسلم الخراساني:
شنّ نصر بن سيار حملة دعاية قوية ضد شيعة بني العباس ، ووصفهم بأنهم أخلاط من الناس لا أصول لهم ، ولا ذمم عندهم ، فهم غرباء مجهولون ودُخلاء مغمورون ، لا ينتمون إلى العرب المذكورين ، ولا إلى الموالي المعروفين ، واتهمهم بأنهم ليسوا من المسلمين ولا من الكتابيين؛ فهم يعتنقون نحلة مخالفة لكل الأديان ، وزعم أنَّهم يبتغون إبادة العرب واستعبادهم ، ويرومون سبي نسائهم ، وهتك أعراضهم ، وانتهاك حرماتهم؛ حيث قال:
أبلغْ ربيعةَ في مروٍ وإخوتَهُمْ فلْيغضبُوا قبلَ أن لا ينفع الغضبُ
ولينصبوا الحربَ إن القومَ قد نصبُوا حرباً يُحرق في حافاتها الحطبُ
ما بالكم تَلْحِقون الحربَ بينكم كأنَّ أهلَ الحِجا عن فِعْلكم غُيُبُ
وتتركون عدوّاً قد أحاطَ بكم فيمن تأشَّبَ لا دينٌ ولا حسبُ
لا عرب مِثلُكُم في النَّاسِ تعرفُهُم ولا صريح مُوالٍ إن هم نُسِبُوا
من كان يسألني عن أصلِ دينهم فإن دينَهم أنْ تهلِكَ العربُ
قومٌ يدينون ديناً ما سمعتُ به عن النبيِّ ولا جاءتْ به الكتبُ
ويقسم الخُمس من أموالكم أُسَراً من العلوجِ ولا يبقى لكم نَشَبُ
وينكحوا فيكم قسْراً بناتِكُم لو كانَ قومي أحراراً لقد غضبوا
ذروا التفرُّقَ والأحقادَ واجتمِعُوا لِيُوصل الحبلُ والأصهارُ والنَّسَبُ
إن تُبعدوا الأزدَ مِنّا لا نُقرِّبها أو تدنُ نحمدهم يوماً إذا اقتربوا
أتخذِلُون إذا احتجنا وننصُرُهم لبئس والله ما ظنُّوا وما حسبوا
ولكن الرَّبعية لم يعبؤوا بنداء نصر في أول الأمر ولم يبالوا بدعوته ، ولم يكترثوا
لتحذيره ، بل مضوا يتشبثون بمخالفتهم اليمانية ، واستمروا يساندون ابن الكرماني ويعينونه ، ويقاتلون المضريَّة معه ، فعاد نصر إلى رمي أبي مسلم وشيعة بني العباس بالكفر ، وألحّ على القدح في عقيدته ، وألحَّ في التشهير بغاياتهم ، يريد أن يُبغضهم إلى الناس ، ويُكرههم إليهم ، ويحملهم على الطعن فيهم ، ويدفعهم إلى مكافحتهم ، ويحمسهم على محاربتهم ، فجعل يقذفهم بأنهم وثنيُّون مشركون، وأنهم يؤمنون بالمانوية والمجوسيَّة وغيرهما من الملل الفارسية القديمة ، وراح يشيع في أصحابه أنهم يقصدون إلى نسف قواعد الإسلام ، وهدم دعائمه وتحطيم أركانه وطمس معالمه واستئصال اثاره ، وأنهم يستهدفون لتقويض سلطان العرب وتمزيق قبائلهم ، وقتل رجالهم واسترقاق أبنائهم وأسر بناتهم ، ولم يزل يذيع ذلك فيهم ويزينه لهم.
وقد تأثر الناس بدعاية نصر بن سيار. وبعث نصر إلى القراء والفقهاء والأتقياء الذين اعتزلوا الحرب ، فجمعهم وقال لهم: إنكم كرهتم مشاهدتنا في حربنا هذه ، وزعمتم أنها فتنة القاتل والمقتول فيها في النار ، فلم نردد عليكم رأيكم في ذلك ، وهذا حدث قد ظهر بحضرتكم. هذه المُسوّدَة ، وهي تدعو إلى غير ملتنا ، وقد أظهروا غير سُنَّتنا وليسوا من أهل قبلتنا ، يعبدون السنانير ، ويعبدون الرؤوس ، علوج وأغتام ، وعبيد سُقّاط العرب والموالي ، فهلُمُّوا فلنتعاون على إطفاء نائرتهم ، وقمع ضلالتهم ، ولكم أن نعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه وسنة العمرين بعده ، فأجابوه إلى مظاهرته على حرب أبي مسلم والجِدّ معه في ذلك.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022