جهود نصر بن سيار للقضاء على الدعوة العباسية
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 259
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ يوليو 2021
في عام 129 هـ كانت أول صلاة عيد علانية للعباسيين، وقد أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلي بالناس ، ونصب له منبراً ، وأن يخالف في ذلك بني أمية ويعمل بالسنة ، فنودي للصلاة: الصلاة جامعة ، ولم يؤذن ولم يقم ، خلافاً لهم ، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، وكبّر سبعاً في الأولى قبل القراءة لا أربعاً ، وخمساً في الثانية لا ثلاثاً ، خلافاً لهم. وابتدأ الخطبة بالذكر والتكبير ، وختمها بالقراءة ، وانصرف الناس من صلاة العيد وقد أعّد لهم أبو مسلم طعاماً ، فوضعه بين أيدي الناس ، وكتب إلى نصر بن سيّار كتاباً بدأ فيه بنفسه ، ثم قال: إلى نصر بن سيّار ، بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فإنَّ الله تباركت أسماؤه عيَّر أقواماً في كتابه فقال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ} [فاطر: {أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا * إِسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً *} ـ 43]. فعظم عليه أن قدّم اسمه على اسمه ، وأطال الفكرة وقال: هذا كتاب له جواب.
ثم بعث نصر بن سيار خيلاً عظيمة لمحاربة أبي مسلم ، وذلك بعد ظهوره بثمانية عشر شهراً ، فأرسل أبو مسلم إليهم مالك بن الهيثم الخزاعي ، فالتقوا هنالك ، فدعاهم مالك إلى الرّضا من ال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبوا ذلك فتصافُّوا من أول النهار إلى العصر ، ثم جاءه مدد فقوى مالك عليهم ، واستظهر وظفر بهم ، وكان هذا أول موقف اقتتل فيه دعاة بني العباس وجند بني أمية..
ولما استفحل أمر أبي مسلم بخراسان تعاقدت طوائف من أحياء العرب الذين بها على حربه ومقاتلته ، ولم يكره أمره ابن الكرماني وشيبان ، لأنهما خرجا على نصر ، وهذا مخالف له ، وهو مع ذلك يدعو إلى خلع مروان بن محمد ، وقد طلب نصر من شيبان أن يكون معه على حرب أبي مسلم أو يكف عنه حتى يتفرغ لحربه ، فإذا قتله وتفرّغ منه عادت عداوتهما ، فبلغ ذلك أبا مسلم فبعث إلى ابن الكرماني يعلمه بذلك ، فثنى ابن الكرماني شيبان عن ذلك الرأي.
وبعث أبو مسلم إلى هَرَاة النضر بن نعيم ، فافتتحها وطرد عنها عاملها عيسى بن عقيل الليثي ، واستحوذ على البلد ، وكتب إلى أبي مسلم بذلك ، وجاء عاملها إلى نصر هارباً ، ثم إن شيبان وادع نصرَ بن سيار سنة على ترك الحرب بينه وبينه ، وذلك عن كره من ابن الكرماني ، فبعث ابن الكرماني إلى أبي مسلم: إني معك على قتال نصر ، وركب أبو مسلم إلى خدمة ابن الكرماني فنزل عنده واجتمعا ، فاتفقا على حربه ومخالفته ، وتحوّل أبو مسلم إلى موضع فسيح وكثر جنده وعظم جيشه ، واستعمل على الشرط والحرس والرّسائل والدّيوان وغير ذلك مما يحتاج الملك إليه ، وجعل القاسم بن مُجاشع التَّميميَّ ـ وكان أحد النقباء ـ على القضاء ، وكان يُصلي بأبي مسلم الصَّلوات ، ويقص بعد العصر ، فيذكر محاسن بني هاشم ويذُمُّ بني أُمية.
ثم تحول أبو مسلم فنزل بقرية يقال لها: الِينُ وكانت في مكان منخفض ، فخشي أن يقطع عنه نصر بن سيار الماء ، وذلك في سادس ذي الحجّة من هذه السنة ، وصلَّى بهم يوم النَّحر القاضي ابن مجاشع ، وسار نصر بن سيار في جحافل قاصداً قتال أبي مسلم ، واستخلف على البلاد نوّاباً.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com