مجلس النقباء في خراسان يرتب أمور الحرب
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 258
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ يوليو 2021
عقد مجلس النقباء اجتماعاً لينظروا في أمر المكان الملائم لإعلان الثورة فيه ، فكان هناك رأي بضرورة إعلانها بخوارزم؛ فإنها بلاد منقطعة عن نصر بن سيار ، فإلى أن يرسل عسكره يكون قد تسامع بنا إخواننا فيأتوننا ويكثر جمعنا فنقوى على من يأتينا ، إلا أن عدداً من النقباء عارضوا ذلك وأكدوا على مرو الروذ؛ لأنها متوسطة بين مرو بلخ. ثم اقترح عدد اخر مرو الشاهجان؛ لأن بها خلقاً كثيراً من إخواننا ، وبها السلطان قد وهن أمره ، ومتى يقوى بها أمرنا يقوى في غيرها. وأيّد ذلك سليمان الخزاعي قائلاً: إن قوتنا بها أعظم وعددنا أكبر. ووافقه أبو منصور كامل بن المظفر؛ حيث قال: إذا اجتث الأصل فلا بقاء للفرع ، إذا ظهرتم بغير مرو تفرغ لكم سلطانكم وساعده عدده عليكم.
وهكذا اتفق أمرهم على أن مرو الشاهجان أصلح مكان لإعلان الثورة ، وأرسل الدعاة ليخبروا الشيعة بالالتقاء والتجمع في مرو في الوقت المحدد ، وكان في يوم عيد الفطر سنة 129 هـ ، وكان نصر بن سيار منشغلاً بالاستعداد لجديع الكرماني ، فلما سمع بنبأ تجمع الشيعة في مرو وضواحيها قرر أن يكمن لهم ويلتقطهم جماعة جماعة ويقضي عليهم ، ولما علم سليمان الخزاعي وأبو منصور كامل بن المظفر بذلك أشارا على أبي مسلم بضرورة التجمع وإعلان الظهور قبل الموعد المحدد ، وإلا تشتت الشيعة وفشلت الحركة. فأعلنها أبو مسلم ، ولمّا يبقى في رمضان إلا خمسة أيام ، وعسكر في حصن تابع لسليمان الخزاعي؛ حيث أصبح نقطة تجمع أنصار الدعوة لال البيت.
وحين فشا خبر أبي مسلم أقبلت الشيعة من كل جانب إلى مرو ، فأتاهم عيسى بن شبل وأبو الوضاح وأبو مرة في نحو من ألف رجل: وقد كثر جمعهم وسودوا ثيابهم ، ونصبوا أعلامهم ونشروا راياتهم ، فصلى بهم سليمان بن كثير الخزاعي يوم العيد ، وهي أول جماعة كانت لأهل الدعوة.
وقد قام النقباء بترتيب نوع من التنظيم السياسي للحركة؛ حيث عُين أبو صالح كامل بن المظفر بتدبير الأمور وكتابة الكتب وبجمع الأموال والغنائم ويقسمها ويقوم بإعطاء الجند ، وهو صاحب السر كذلك ، وعُين مالك بن الهيثم: يقوم بأمر العسكر... ويحكم بين أهله ، وينقي أهل الريب منه ، فقبلوا ذلك منه واتفقوا عليه. ثم عُين حرس خاص لأبي مسلم من عدة رجال ينتخبون أبا مسلم ويكونون رسلاً يرسلون لتدبير بعض الأمور ، وكان يؤم الناس في الصلوات سليمان بن كثير الخزاعي.
وفي ليلة الخميس لخمس بقين من شهر رمضان عقد أبو مسلم راية النصر التي بعثها إليه إبراهيم الإمام؛ وهي اللواء ـ يدعى الظل ـ على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً، والراية ـ تدعى السحاب ـ على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعاً، وهما سوداوان، وهو يتلو: [الحج: 29]، ولبس السواد هو {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ *} بن كثير وأخوه سليمان وحميد بن رزين وأخوه عثمان بن رزين ، وأوقدوا النيران ليلتهم أجمع للشيعة من سكان حزفان:.. وتأويل اسمي الظل والسحاب: أن السحاب يطبق الأرض ، وكذلك دعوة بني العباس ، وتأويل الظل أن الأرض لا تخلو من الظل أبداً ، وكذلك لا تخلو من خليفة عباسي أبد الدهر.
كانت دعوة شيعة بني العباس في خراسان قوية ، فقد ظهر أمرهم وكثر من يأتيهم، وجعلت الدّعاية العباسية وحملتهم الإعلامية تستهدف أفعال بني أمية وما نالوا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى لم يبق بلد إلا فشا فيه هذا الخبر ، وظهر الدعاة، ورئيت المنامات، وتُدورست كتب الملاحم ، وكان اختيار اللون الأسود هو الخطوة الأولى ، ثم كانت الخطوة الثانية هي إرسال الرايات إلى خراسان ، فكان أن بعث بأبي سلمة إليها: بعد أن دفع له ثلاث رايات سود ، وأمره أن يدفع واحدة إلى من بمرو من الشيعة ، ويدفع واحدة إلى من بجرجان من الشيعة ، ويبعث بواحدة إلى ما وراء النهر ، فشخص أبو سلمة إلى خراسان ، فكان أول من قدمها بالرايات السود.
وكان وصول الرايات مترافقاً مع حال الفوضى المستشرية في خراسان ، وقد أفاد من ذلك أبو سلمة وسليمان بن كثير ، وكانت الفتنة التي نشبت بين نصر وعلي الكرماني ثم ابنه جديع الكرماني تتأجج بفعل تأثير السياسات المركزية ، ثم فتحت جبهة جديدة لوالي الأمويين بخراسان بقيادة شيبان الحروري ، فكانت الفرصة مواتية لأبي مسلم أكثر ، فدخل هذا المعترك بعد أن ضعفت قوة نصر بن سيار ، وانضمت إلى أبي مسلم كل الفئات الغاضبة في خراسان.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com