الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

تفشي الظلم في المجتمع من أهم عوامل سقوط الدولة الأموية


من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 270
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ يوليو 2021


إن الظلم في الدولة كالمرض في الإنسان يعجل في موته بعد أن يقضي المدة المقدرة له وهو مريض ، وبانتهاء هذه المدة يحين أجل موته ، فكذلك الظلم في الأمة والدولة ، يعجل في هلاكها بما يحدثه فيها من اثار مدمرة تؤدي إلى هلاكها ، واضمحلالها خلال مدة معينة يعلمها الله هي الأجل المقدر لها ، أي الذي قدره الله بموجب سنته العامة التي وضعها لاجال الأمم ، بناء على ما يكون فيها من عوامل البقاء كالعدل ، أو من عوامل الهلاك كالظلم الذي يظهر أثرها ، وهو هلاكها بعد مضي مدة محددة يعلمها الله، قال تعالى: [الأعراف: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ *} ، قال الآلوسي ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الاية: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} ، أي لكل أمة من الأمم الهالكة أجل ، أي: وقت معين مضروب لاستئصالهم.
ولكن هلاك الأمم وإن كان شيئاً مؤكداً ولكن وقت حلوله مجهول لنا ، أي: أننا نعلم يقيناً أن الأمة الظالمة تهلك حتماً بسبب ظلمها حسب سنة الله تعالى في الظلم والظالمين ،ولكننا لا نعرف وقت هلاكها بالضبط ، فلا يمكن لأحد أن يحدد ذلك بالأيام ولا بالسنين ، وهو محدد عند الله تعالى.
إن سنة الله مطردة في هلاك الأمم الظالمة ، قال تعالى: [هود: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ *وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ *وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ *} ـ 102]. إن الاية الكريمة تبين أن عذاب الله ليس مقتصراً على من تقدم من الأمم الظالمة ، بل إن سنته تعالى في أخذ كل الظالمين سنة واحدة ، فلا ينبغي أن يظن أحد أن هذا الهلاك قاصر على أولئك الظلمة السابقين؛ لأن الله تعالى لما حكى أحوالهم قال: [هود: 102] فيبين الله تعالى أن كل من شارك أولئك المتقدمين في أفعالهم التي أدت إلى هلاكهم فلابد أن يشاركهم في ذلك الأخذ الأليم {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ *} ، فالاية تحذر من خطورة الظلم.
إن الدولة الكافرة قد تكون عادلة ، بمعنى أن حكامها لا يظلمون الناس ، والناس أنفسهم لا يتظالمون فيما بينهم فهذه الدولة مع كفرها تبقى ، إذ ليس من سنته تعالى إهلاك الدولة بكفرها فقط ، ولكن إذا انضم إلى كفرها ظلم حكامها للرعية ، وتظالم الناس فيما بينهم ، قال تعالى: [هود: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ *} ، قال الإمام الرازي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: إن المراد من الظلم في هذه الاية الشرك ، والمعنى: أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين ، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم ، يعامل بعضهم بعضاً على الصلاح وعدم الفساد ، وفي تفسير القرطبي ـ رحمه الله ـ: قوله تعالى: أي: بشرك وكفر {بِظُلْمٍ} ، أي: فيما بينهم في تعاطي الحقوق ، ومعنى الاية: إن الله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده ، حتى ينضاف إليه الفساد ، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان وقوم لوط باللواط.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في هلاك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة: وأمور الناس إنما تستقيم مع العدل الذي يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق ، وإن لم تشترك في إثم ، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ، ويقال: إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والإسلام ، وذلك أن العدل نظام كل شيء ، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت ، وإن لم تقم بالعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الاخرة.
ولقد حدثت مظالم عظيمة في عهد الأمويين ، فقد سفكوا الدماء بغير حق ، وقتلوا بعض صالحي الأمة كالإمام الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما ، وهتكوا حرمة المدينة واستباحوها في معركة الحرّة ، وحاصروا الكعبة وقتلوا الخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير ، وسفكوا دم العالم الجليل سعيد بن جبير ، وقضوا بعنف على ثورة زيد بن علي في ظروف وأوقات مختلفة ، ولم يلتزم بعض زعمائهم بالعهود كعبد الملك في قتله لعمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ، والذي ترك قتله أثراً كبيراً على الدولة الأموية في عهد عبد الملك، وغير ذلك من الشخصيات المهمة التي سفكت دماؤها بدون وجه حق ، هذه مظالم في الأنفس.
وأما الأموال ، فقد فرضوا زيادات في بعض الضرائب المقررة ، وأنشؤوا ضرائب جديدة لم تكن معروفة ، ومالوا لأهل الشام فأكرموهم من أموال الأمة بزيادة الهبات المالية والرواتب الكبيرة جزاء تأييدهم المتواصل للحكم الأموي ، واستخدموا أموال بيت المال لتأليف القلوب عليهم ثم الدعاية لأنفسهم طول الوقت ، وكانوا كرماء مع الشعراء ، الذين تكسبوا بالشعر عن طريق الإسراف في مدحهم وخصوصاً في عهد عبد الملك ، واستولوا على حق الأمة في اختيار من تشاء في الحكم ، وجعلوه ملكاً وراثياً قاتلوا عليه بحد السيوف.
وقد استغل أعداء الدولة الأموية هذه المظالم وأسرفوا في الدعاية ضدها ، ووجدوا الكثير من نقاط الضعف للهجوم عليها. لقد ساهمت المظالم الأموية في تقوية الدّعاية للحركات المضادة لهم ، ثم تبلورت مع الزمن حتى جاءت الدعوة العباسية وأزالت الأمويين من الوجود بسبب مظالمهم المالية والسياسية والاجتماعية ، ومضت سنة الله فيهم.


يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022