(الترف والانغماس في الشهوات كأحد أسباب سقوط الدولة الأموية)
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 271
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1442 ه/ يوليو 2021
قال تعالى: [هود: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ *}
قال تعالى: أراد بالذين ظلموا: تاركي النهي عن {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} ، أي: لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين؛ وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما اهتموا بالتنعم والترف والانغماس في الشهوات ، والتطلع إلى الزعامة والحفاظ عليها والسعي لها ، وطلب أسباب العيش الهنيء.
وقد مضت سنة الله في المترفين الذين أبطرتهم النعمة ، وابتعدوا عن شرع الله بالهلاك والعذاب؛ قال تعالى: [الأنبياء: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ *فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ *لاَ تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ *} ـ 13] ، ومن سنة الله تعالى هلاك الأمة بفسق مترفيها ، قال تعالى: [الإسراء: 16]. وجاء في تفسيرها: وإذا دنا وقت هلاكها أمرنا بالطاعة {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا *} ، أي: متنعميها وجباريها وملوكها ، ففسقوا فيها ، فحق عليها القول فأهلكناها ، وإنما خص الله تعالى المترفين بالذكر مع توجه الأمر بالطاعة إلى الجميع ، لأنهم أئمة الفسق ورؤساء الضلال، وما وقع من سوئهم إنما وقع باتباعهم وإغوائهم ، فكان توجه الأمر إليهم اكد.
ويقال: إن أمر بني أمية ما زال مستقيماً حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين ، فاثروا الشهوات ، وأقبلوا على اللذات والدخول في المعاصي والتعرض لسخط الله ، فسلبهم الله العز وسلبهم النعمة ، ولما هرب أحد أمرائهم إلى أرض النوبة ، سمع به ملك النوبة فجاءه وقعد على الأرض ، ولم يقعد على فراشه ، فقال له: ألا تقعد على فراشنا؟ فقال له النوبي: لا ، فقال له: ولم؟ قال: لأني ملك ، وحق على كل ملك أن يتواضع لأمر الله سبحانه ، إذ رفعه ، ثم قال له: لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم؟ ولم تطؤون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم؟ ولم تستعملون الذهب والفضة ، وتلبسون الحرير والديباج ، وهو محرم عليكم؟ فقال له: انتصرنا بقوم من الأعاجم حين قل أنصارنا ، ولنا عبيد وأتباع فعملوا ذلك على كره منا ، فأطرق النوبي ملياً ، ثم قال: ليس كما ذكرت ، بل أنتم قوم استحللتم ما حرم الله عليكم ، وظلمتم فيما ملكتم ، فسلبكم العز بذنوبكم ، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها ، وأخاف أن يصيبكم العذاب وأنتم ببلدي فيصيبني معكم ، وإنما الضيافة ثلاث ، فتزودوا ما احتجتم إليه وارتحلوا عن بلدي.
ومن خلفاء بني أمية الذين ظهر فيهم الترف والميل إلى الدعة والاهتمام بالغواني يزيد بن عبد الملك ، والوليد بن يزيد ، وقد سئل أحد أمراء بني أمية عن سبب زوال ملكهم ، فقال: شُغلنا بلذّاتنا عن التفرغ لمهمّاتنا.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com