الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

من تاريخ الدولة الأموية: خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

(حرص معاوية رضي الله عنه على توطيد الأمن في خلافته)

الحلقة: الثالثة والثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020

ومن القواعد التي بنى عليها معاوية سياسته الداخلية: توطيد الأمن في ربوع العالم الإسلامي، وقد اتخذ معاوية عدة وسائل لتحقيق هذا الهدف.
1 ـ الحاجب:
كان معاوية بن أبي سفيان أول من اتخذ الحاجب في الإسلام ، لكي يتجنب محاولات الاعتداء عليه ، وكانت بعض المظاهر الملكية لها ما يبررها في هذه الحقبة التاريخية؛ فقد عبَّر ابن خلدون عن احتجاب الخلفاء عن الناس ، على النحو التالي: كان أول شيء بدأ به في الدولة شأن الباب وستره دون الجمهور ، لما كان يخشون على أنفسهم من اغتيال الخوارج وغيرهم كما وقع بعمر وعلي ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم ، مع ما في فتحه من ازدحام الناس عليهم وشغلهم بهم عن المهمات ، فاتخذوا من يقوم لهم بذلك وسموه الحاجب.
ومما يعزز آراء ابن خلدون عن وجود العامل الأمني وراء اتخاذ معاوية من محاولة اغتياله التي دبرها الخوارج: أمر عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل ، وقيام الشرطة على رأسه إذا سجد.
وقد كان معاوية وبنو أمية يعيشون في الشام قريباً من أعدائهم الموتورين من الروم ، فضلاً عن أعدائهم الموتورين من الشيعة والخوارج المتفرقين في البلاد ، وكانوا يرون أنه لا بد لهم لاستقرار الدولة الإسلامية التي قتل ثلاثة من خلفائها من اتخاذ نمط من أنماط الحراسة والاحتراز ، وقد ذكر المؤرخون أسماء أربعة من مواليه شغلوا له وظيفة الحاجب ، وهم: سعد ، وأبو أيوب ، وصفوان، ... وكان يشترط في الحاجب أن يعرف منازل الناس وأنسابهم وطبقاتهم ، لكي يتمكن أن يعرف من يأذن لهم ، ومن لا يأذن لهم ، فقد رويت أخبار كثيرة تؤكد ذلك، فمعاوية بن أبي سفيان قال لحصين بن المنذر ، وكان يدخل عليه في أخريات الناس: يا أبا ساسان كأنه لا يحسن أذنك؟ فأنشأ يقول:
وكلُّ خفيفِ السَّـــاقِ يســعى مشــمِّراً إذا فتـــحَ البــوابُ بابَــك أصـــبعا
ونحـــنُ الجــلوسُ الماكــثون رزانــةً وحـلماً إلى أن يُفتـــحَ البابُ أجــمعا
وعندما دخل شريك الحارثي على معاوية قال له: من أنت؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت لك هفوة قبل هذه؛ مثلك ينكر مثلي من رعيته ؟! فقال له معاوية: إن معرفتك متفرقة؛ أعرف وجهك إذا حضرت الوجوه ، وأعرف اسمك في الأسماء إذا ذكرت ، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه ما ذكر لي اسمك تجتمع معرفتك ، فالحاجب يخبر الخليفة والخليفة هو الذي يأذن أو لا يأذن.
وذات يوم وقف الأحنف بن قيس ، ومحمد بن الأشعث بباب معاوية الأول ، فأذن للأحنف ، ثم أذن لابن الأشعث ، فأسرع في مشيته حتى تقدم الأحنف ودخل قبله ، فلما راه معاوية غمه ذلك ، وأحنقه ، فالتفت إليه فقال: والله إني ما أذنت له قبلك وأنا أريد أن تدخل قبله ، وإنَّا كما نلي أموركم كذلك نلي آدابكم ، ولا يزيد متزيد في خطوة إلا لنقص يجده في نفسه.
2 ـ الحرس:
كان معاوية بن أبي سفيان أول من اتخذ الحرس في الدولة الإسلامية ، خوفاً من الخوارج الذين كانوا يريدون قتله ، فقد أمر بالمقصورات في الجوامع وكان لا يدخلها إلا الثقات وحراسه، وكما يبدو أن معاوية لم يكتفِ باتخاذ الحرس ، بل اتخذ المقاصير زيادة في التشدد ، وذلك لحماية نفسه من أي اعتداء قد يقع عليه ، وقد ذكرت كتب التاريخ أسماء رؤساء الحرس في عهد معاوية وهم: المختار أبو المخارق، ويزيد بن الحارث العبسي.
3 ـ الشرطة:
وظيفتها المحافظة على الأمن والنظام ، والقبض على اللصوص والجناة والمفسدين ، والدفاع عن الخليفة ، وهي غير مسؤولة عن صد أي هجوم خارجي عن الدولة.
وقد قام معاوية بتنظيمها وتطويرها في الشام، وقد ذكر المؤرخون أربعة أسماء من الذين عينهم على رئاسة الشرطة وهم: قيس بن حمزة الهمذاني ، زمل بن عمرو العذري ، الضحاك بن قيس الفهري ، ويزيد بن الحر العنسي.
والشرطة لا يقتصر وجودها على عاصمة الخلافة فقط بل في الولايات الإسلامية الأخرى ، وهم يتبعون الولاة؛ فهم الذين يختارونهم ويعينونهم ، وكان وجودها مهماً للدولة والمجتمع ، فالدولة تعتمد عليها في قمع المتمردين ، وفي القضاء على الثورات ، والاضطرابات ، وربما كانت تحل محل الجند في حالة عنايتهم واشتراكهم في الغزوات ، وهي للمجتمع ، لأنها تعمل على تحقيق الأمن والاستقرار ، فهي الجهة الوحيدة المسؤولة عن حماية أرواح الناس ، وحفظ حقوقهم وأموالهم من اعتداء بعضهم على بعض ، وقد كلف الخلفاء الأمويون رؤساء الشرطة بأعمال شتى خارج بلاد الشام وداخلها: فالضحاك بن قيس كلفه معاوية بإبلاغ وصيته لابنه يزيد ، وأخذ البيعة له.
4 ـ حسن اختيار الرجال والأعوان:
فقد وفق معاوية رضي الله عنه في اختيار أعوانه من الرجال الموثوق بولايتهم وخبرتهم الإدارية، مع حكمتهم ودهائهم. ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر: عمرو بن العاص السهمي ، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وزياد بن أبيه الثقفي، ويزيد بن الحر العبسي، والضحاك بن قيس الفهري، وعبد الله بن عامر بن كريز، وغيرهم من القادة المقاتلين؛ أمثال: المهلب بن أبي صفرة، وعقبة بن نافع الفهري، ومالك بن هبيرة، وجنادة بن أمية الأزدي وآخرين، وكان عمرو بن العاص يقول: أنا للبديهة ، ومعاوية للأناة، والمغيرة للمعضلات، وزياد لصغار الأمور وكبارها.
وقد ساهم هؤلاء في إدارة الدولة وفتوحها والتصدي لأعدائها ، فكان لهم دور كبير ومتميز في ترسيخ وتوطيد وتثبيت الأمن ودعائم الخلافة الأموية.
5 ـ استخدام المال في تأكيد ولاء الأعوان وتأليف القلوب:
فقد اعتُبر معاوية من أجواد العرب؛ لأنه استمال القلوب بالبذل والعطاء وجاد بالمال مع المداراة ، وكان إذا بلغه عن رجل ما يكره أسكته بالمال.
6 ـ اتباع سياسة الشدة واللين في الوقت نفسه حسب الظروف والأحوال:
وظهرت هذه السياسة بشكل واضح بعد توطيد دعائم الخلافة الأموية ، وكتب معاوية إلى زياد بن أبيه في ذلك وقال: إنه لا يصلح أن أسوس وتسوس الناس بسياسة واحدة ، إنا إن نشتد جميعاً نهلك الناس ونحرجهم ، وإن نلن جميعاً نبطرهم ، ولكن تلين وأشتد ، وتشتد وألين ، ويمثل هذه السياسة ما نسب إلى معاوية رضي الله عنه من أقوال؛ مثل: لا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ، فإذا لم أجد من السيف بداً ركبته ، أي استعملته، وقوله المشهور: لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت ، إن جبذوها أرسلتها ، وإن خلوها جبذتها.
7 ـ اتباع سياسة المنفعة المتبادلة بين بني أمية ورعيتهم:
لم يستطع معاوية رضي الله عنه اتباع سياسة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم الراشدة ، ولا شك في أن كثرة الأموال بعد اتساع الدولة الإسلامية جعلت كثيراً من المسلمين يتطلعون إلى التمتع بالخيرات التي أخذت تتدفق عليهم ، وقد أعرب معاوية عن ذلك بشكل واضح ، وقال للمسلمين: غير أني سلكت طريقاً لي فيه منفعة ، ولكم فيه مثل ذلك ، ولكل فيه مؤاكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة ، وحسنت الطاعة ، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم.
8 ـ اتخاذ سياسة إعلامية للإشادة به وبخلافته وجعل الناس يميلون إليه:
وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: أحب الناس إلي أشدهم تحبيباً لي إلى الناس. واتبعه بعد ذلك الخلفاء الأمويون باستمالة عشرات الشعراء وأغدقوا عليهم الأموال ، فأشادوا بهم وبحقهم في الخلافة وصلاحهم لها ووجوب طاعتهم ونصرتهم؛ نظراً لأن الشعر كان أهم وسيلة إعلامية في ذلك العصر. ومن الأشعار التي قيلت في هذا الاتجاه ما قاله الأخطل:
تَمَّــــت جـــدودُهُمُ والله فضَّلَهُــمْ وجــــدُّ قـــومٍ ســواهُم خاملٌ نَكِدُ
وأنتُــــمْ أهـــلُ بيتٍ لا يُوازنُهــم بيتٌ إذا عُدّتِ الأحســــابُ والعــدَدُ
وقد اهتمّ معاوية بفن الدعاية والإعلام ، وأوكله إلى عدد من الرجال يهمهم أمره ويؤيدونه ، فكان يكثر أعطيات الشعراء وكذلك شيوخ القبائل ، لكسبهم في صفه ، ويعطي مجالاً واسعاً لولاته لكي يحققوا بعض المكاسب السياسية والإعلامية والأمنية ، فقد كتب زياد والي البصرة في عهد معاوية خمسمئة من مشايخها ، وأعيانها في صحابته ، ورزقهم ما بين الثلاثمئة إلى الخمسمئة ، فقال فيه حارثة بن بدر الغُدانيّ:
ألا مِــنْ مبلِّـــغٍ عــــني زيـــاداً فنِعـــمَ أخـــو الخــليفةِ والأمـــيرُ
فأَنتَ إمــــامُ معــــدلةٍ وقصـــدٍ وحـــزمٍ حــــين تحــضرُك الأمـورُ
أخـــوك خـــليفةُ اللهِ ابنُ حــــربٍ وأنتَ وزيــــرهُ نعــمَ الوزيــــرُ
وكان معاوية رضي الله عنه يحرص على امتصاص غضب الشعراء بحلمه وعفوه ، فعندها هجا يزيد بن مفرِّغ الحميري بني زياد ، عندما كان مع عباد بن زياد بسجستان ، فاشتغل عنه بحرب الترك ، فاستبطأه ، فأصاب الجند مع عباد ضيق في أعلاف دوابهم فقال ابن مفرغ:
ألا ليتَ اللِّحــى عـــادتْ حشيـشــاً فنعلفَهـــا خـــيولَ المســـــلمينا
وكان عبّاد بن زياد عظيم اللحية ، فأنهِيَ شعره إلى عبّاد ، وقيل: ما أراد غيرك ، فطلبه عباد ، فهرب منه ، وهجاه بقصائد كثيرة ، فكان مما هجاه به قوله:
إذا أودَى معــاويةُ بْــــنُ حـــربٍ فَبَشِّـــرْ شــعْبَ قعبــكِ بانصــداعِ
فأشـــهدُ أنَّ أمَّـــك لَمْ تباشِــــرْ أبـــا ســــفيانَ واضـعةَ القنـــاعِ
ولكــنْ كــان أمــراً فيه لَبْــــسٌ على وَجَـــلٍ شـــديدٍ وارتيــــاعِ
وقوله:
ألا أَبْلِـغْ معــــاويةَ بْــنَ حَـــرْبٍ مغلغلةً مــــن الرَّجُـــلِ اليمــــاني
أتغضـــبُ أن يُقـــال أبـــوك عَفٌّ وترضـــى أن يقـــالَ أبــــوك زانِ
فأشــهدُ أنَّ رِحْــمَكَ مــن زيـــادٍ كرِحْــمِ الفيلِ مــن ولدِ الأتـــــانِ
ولما هجا ابن المفرِّغ عبَّاداً فارقه مقبلاً إلى البصرة ، وعبيد الله يومئذ وافد على معاوية ، فكتب عباد إلى عبيد الله ببعض ما هجاه به ، فلما قرأ عبيد الله الشعر دخل على معاوية ، فأنشده إياه ، واستأذنه في قتل ابن مفرغ ، فأبى عليه أن يقتله ، وقال: أدِّبه ولا تبلغ به القتل... ووقع ابن مفرِّغ بين يدي عبيد الله.. فأمر به فسقي دواء ، ثم حمل على حمار عليه إكاف فجعل يطاف به وهو يسلح في ثيابه.
وقال ابن مفرِّغ لعبيد الله:
يَغسِــلُ المـاءُ ما صــنعتَ ، وقولـــي راســـخٌ منــكَ في العظــامِ البَــوَالي
ثم حمله عبيد الله إلى عباد بسجستان ، فكلمت اليمانية فيه بالشام معاوية ، فأرسل رسولاً إلى عباد ، فحمل ابن مفرغ من عنده حتى قدم على معاوية ، فقال في طريقه:
عَــدَس ما لعبّـــادٍ عليكِ إمــــارةٌ نجــوتِ وهـــذا تحـــــملينَ طليقُ
لعمري لقد نجَّـاك مــن هـــوّةِ الرَّدَى إمـــامٌ وحـبلٌ للأنـــامِ وَثِيـــقُ
ســـأشـكرُ ما أوتيتُ من حســنِ نعمةٍ ومثلي بشــكرِ المنعـــمينَ حـــقيقُ
فلما دخل على معاوية بكى ، وقال: ركب مني ما لم يركب من مسلم على غير حدث ولا جريرة... وبعد حوار مع معاوية ، قال له معاوية: اذهب فقد عفونا لك عن جرمك ، أما لو إيانا تعامل لم يكن مما كان شيء ، فانطلق وفي أي أرض شئت فانزل. فنزل الموصل، ثم إنه ارتاح إلى البصرة ، فقدمها ، ودخل على عبيد الله فأمنه. فقد كان معاوية رضي الله عنه يحرص على كسب الشعراء لصفه ، والتحبب إليهم وإكرامهم وعدم محاولة الإساءة إليهم ، فقد كانوا أقرب الشبه بالفضائيات في الوقت الحاضر.
9 ـ جهاز المخابرات:
كانت الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية في عهد معاوية قوية جداً ، وكانت قدرتها على جمع المعلومات فائقة، وكان معاوية رضي الله عنه يشرف على جهاز المخابرات بنفسه ، وكان له جهاز سري مربوط به لمراقبة الولاة والرعية ، فلم يكن في قطر من الأقطار ولا ناحية من النواحي عامل أو أمير جيش إلا وعليه عين لا يفارقه ، بل وصلت عيونه حتى إلى البلاط البيزنطي؛ وإليك ما يدل على ذلك:
أ ـ اطلاعه على المراسلات التي بين الحسين وأهل العراق: لما توفي الحسن بن علي اجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد ، وكتبوا إلى الحسين كتاباً بالتعزية في وفاة الحسن، وقالوا في كتابهم: إن الله قد جعل فيك أعظم الخلق ممن مضى ، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك ، المحزونة بحزنك ، والمسرورة بسرورك ، المنتظرة لأمرك. فردَّ الحسين على كتابهم: إني لأرجو أن يكون رأي أخي في الموادعة ، ورأيي في جهاد الظلمة رشداً أو سداداً ، فالصقوا بالأرض وأخفوا الشخص ، اكتموا الهوى ، واحترسوا في الإضناء ما دام ابن هند حياً ، فإن يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله.
ولقد أثارت تلك الرسائل المتبادلة بين الحسين وأهل الكوفة مخاوف بني أمية في المدينة ، فكتبوا إلى معاوية يستشيرونه بشأن الحسين ، فكتب إليهم بأن لا يتعرضوا له مطلقاً ، وكان معاوية على معرفة بتلك الرسائل والعلاقات الوثيقة التي تربط بين الحسين وبين الكوفيين ، ولهذا فقد طلب معاوية من الحسين: أن يتقي الله عزَّ وجلَّ وأن لا يشقَّ عصا المسلمين ، ويذكره بالله في أمر المسلمين ، ولقد كان موقف الحسين واضحاً وإعلانه صراحة بقوله: إنا قد بايعنا وعاهدنا ، ولا سبيل إلى نقض بيعتنا، وظل الحسين رضي الله عنه ملتزماً ببيعته وطاعته طوال عهد معاوية رضي الله عنه.
ب ـ قصة معاوية مع المسور بن مخرمة: فقد صارح معاوية المسور وقال له: يا مسور! ما فعل طعنك على الأئمة. ففيه معرفة معاوية لما يقول كبار الشخصيات في المجتمع الإسلامي فيه.
جـ قصة الأسير المسلم عند البيزنطيين ، الذي لطم وجهه بين يدي ملك الروم ، وقول الأسير: وا إسلاماه! أين أنت يا معاوية ؟! فوصل ذلك الخبر إلى معاوية.. هذه بعض الشواهد التي تدل على قوة جهاز المخابرات التابع للدولة الأموية.
د ـ وضع بعض أتباع علي رضي الله عنه بالكوفة تحت المراقبة: لم يدخل زياد في طاعة معاوية بسهولة، وامتنع في بداية أمره على طاعته، وتحصن ببلاد فارس ، واستطاع معاوية بعد أخذ ورد إقناع زياد في الدخول في طاعته، وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله ، وسأل زياد معاوية أن يسمح له في نزول الكوفة، فأذن له، فشخص إلى الكوفة، فكان المغيرة يكرمه ويعظمه ، فكتب معاوية إلى المغيرة: خذ زياداً وسليمان بن صرد ، وحجر بن عدي ، وشَبَت بن ربعي ، وابن الكواء ، وعمر بن الحمق بالصلاة في الجماعة ، فكانوا يحضرون معه في الصلاة ، فقد كان هذا إجراء احتياطياً من معاوية حتى يكون هؤلاء القوم تحت ناظري والي الكوفة باستمرار ، وذلك أن صلح الحسن ومعاوية يوجد له معارضون ، ولا يستبعد التفافهم حول بعض رجالات علي رضي الله عنه؛ حسماً منه لمادة الفتنة.
10 ـ الاهتمام ببناء الجيش الإسلامي:
كان لمعاوية بُعد نظر سياسي تمثل في بناء جيش قوي منذ أن كان والياً على الشام ، وتمحور دور هذا الجيش في استتباب الأمن داخل الولاية ، ومن ثم القيام بعمليات توسع خارجية قبل وبعد نيله الخلافة؛ تمثلت في حركة الفتوحات في عصره ، وهذا سيأتي تفصيله في محله بإذن الله تعالى.
11 ـ سياسة الموازنات:
على الرغم من نفوذ الكلبيين في الدولة الأموية ، فإن المعادلة لم تكن قائمة على التحالف الأموي ـ الكلبي ، ولكنها اتخذت في عهد معاوية رضي الله عنه منحىً توازنياً ما بين كلب وفهر بصورة خاصة ، وقحطان وقيس بصورة عامة ، فإذا كان الكلبيون قد حملوا عبء الدفاع المسلح عن الدولة ، مؤثرين الإقامة في جنوب الشام (جند الأردن) ، فإن الفهريين كان لهم الدور السياسي والإداري البارز فضلاً عن الدور العسكري ، حيث شارك زعيمهم الضحاك بن قيس في صفين ، وكان بالإضافة إلى ذلك في طليعة الذين اعتمد عليهم معاوية في حضِّ الناس على البيعة ليزيد ، وقد ارتفع الضحاك في السياسة الأموية ، وفي أعقاب الدور الأمني الذي شغله في عهد معاوية كقائد على شرطته ، والدور السياسي في عهد يزيد ، كعامل له على دمشق ، مما هيأه من خلال هذا الموقع الهام ، لدور أكثر خطورة بعد وفاة معاوية الثاني الذي أوصى بأن: يصلي الضحاك بالناس بدمشق.
وهكذا نجح مؤسس الدولة الأموية في الإمساك بزمام الأمور من خلال الموازنة بين القبائل الشامية الكبرى ، دون أن يدع لأي منها مجالاً بأن تتجاوز حدودها المرسومة لها في الدولة ، بما في ذلك القبيلة الكلبية الأثيرة.
وقد اتسعت دائرة هذه السياسة ، لتصبح ظاهرة من ظواهر عهد معاوية رضي الله عنه ، حيث نجح معاوية في تحقيق التوازن المنشود داخل قريش (المهاجرة ، وغير المهاجرة) ، فضلاً عن التوازن داخل الأسرة الأموية (بنو حرب ، وبنو العاص) واحتواء الثقفيين بعد منحهم إدارة العراق الذي ارتبط تاريخه أو كاد بهذه الأسرة ، إلى آخر هذه التوازنات المتقنة التي ضبطها معاوية رضي الله عنه.
12 ـ سياسته مع الأسرة الأموية:
لم يأتِ معاوية رضي الله عنه للخلافة بدعم مادي أو معنوي من الأسرة الأموية ، وإنما أتاه من جبهة شامية قبلية متماسكة وقفت وراءه؛ لذلك لم يكن لهذه الأسرة دور بارز في إدارة الدولة في عهده من الناحية الإدارية أو من الناحية العسكرية ، نلاحظ ذلك من خلال استعراض أسماء ولاة وقادة معاوية الذين استعان بهم ، إلا أن معاوية لم يجافِ أسرته جفاءً تاماً ، بل استعان بأفراد منها؛ واضعاً نصب عينيه هدفين:
أ ـ الاستعانة بالأكفاء منهم.
ب ـ الحيلولة دون ازدياد سلطانهم ونفوذهم بشكل يهدد مخططاته السياسية.
وقد استطاع معاوية تحقيق وحدة الصف الأموي بما كان يملك من صفات ومؤهلات قيادية فذة.
هذه هي أهم الوسائل التي اتخذها معاوية لتوطيد الأمن في دولته رضي الله عنه.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022