من كتاب الدولة الأموية: عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه*
*(حياة معاوية رضي الله عنه في المجتمع)*
الحلقة: الرابعة و الثلاثون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020
1 ـ بين معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما:
قال عمرو بن العاص لمعاوية: يا أمير المؤمنين ألست أنصح الناس لك؟ قال: بذلك نلتَ ما نلت.
2 ـ مشاجرة في مجلس معاوية:
عن جويرية بن أسماء ، أن بسر بن أبي أرطأة نال من علي عند معاوية ، وزيد بن عمر بن الخطاب جالس ، فعلاه بعصاً فشجعه ، فقال معاوية لزيد: عمدت إلى شيخ من قريش سيد أهل الشام فضربته ، وأقبل على بسر فقال: تشتم علياً وهو جده وابن الفاروق على رؤوس الناس ، أو كنت ترى أنه يصبر على ذلك ؟! ثم أرضاهما جميعاً.
3 ـ أنا أحق بهذا منك:
قال معاوية: ما من شيء أحب إلي من عين خرارة في أرض خوّارة ، فقال عمرو بن العاص: ما من شيء أحب إلي من أن أبيت عروساً بعقيلة من عقائل العرب ، فقال وردان مولى عمرو بن العاص: ما من شيء أحب إليّ من الإفضال على الإخوان ، فقال معاوية: أنا أحق بهذا منك ، قال: ما تحب فافعل.
4 ـ نعى إليَّ نفسي:
كان عامل معاوية على المدينة إذا أراد أن يبرد بريداً إلى معاوية أمر مناديه فنادى: من له حاجة يكتب إلى أمير المؤمنين ، فكتب زِرّ بن حبيش ـ أو أيمن بن خُريَم ـ كتاباً لطيفاً ورمى به إلى الكتب؛ وفيه:
إذا الرجــــالُ ولــدتْ أولادُهـــا واضطربت مـــن كِـــبَرٍ أعْضـــادُها
وجـــعلتْ أســـقامُها تعتادُهـــا فهـــي زروعٌ قــد دنــا حصــادُها
فلما وردت الكتب عليه فقرأ هذا الكتاب ، قال: نعى إلي نفسي.
5 ـ نصيحة معاوية لشاعر من بني أمية:
قال معاوية رضي الله عنه ، لعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص: يا بن أخي ، إنك قد لهجت بالشعر ، فإياك والتشبيب بالنساء فتعُرّ الشريفة ، والهجاء فتعر كريماً ، وتستثير لئيماً ، والمدح ، فإنه طُعْمَة الوقّاح ، ولكن افخر بمفاخر قومك ، وقل من الأمثال ما تزين به نفسك ، وتؤدب به غيرك.
6 ـ لا تقل داري في البصرة ، ولكن قل: البصرة في داري:
ذكر أن رجلاً سأل معاوية أن يساعده في بناء دار باثني عشر ألف جذع من الخشب. فقال له معاوية: أين دارك؟ قال: بالبصرة. قال: وكم اتساعها؟ قال: فرسخان في فرسخين. قال: لا تقل داري بالبصرة ، ولكن قل: البصرة في داري.
7 ـ علمت أن أكله سيُورِثه داءً:
ذكر أن رجلاً دخل بابن معه ، فجلسا على سماط معاوية ، فجعل ولده يأكل أكلاً ذريعاً ، فجعل معاوية يلاحظه، وجعل أبوه يريد أن ينهاه عن ذلك فلا يفطن ، فلما خرجا لامه أبوه وقطعه عن الدُّخول ، فقال له معاوية: أين ابنك التِّلقامة؟ قال: اشتكى. قال: قد عملت أن أكله سيورثه داء.
8 ـ وإنك لتلحظ الشعرة في لقمتي:
روي أن معاوية قال للأعرابي: ارفع الشعرة من لقمتك ، فقال: وإنك لتلحظ الشعرة في لقمتي ، والله لا أكلت معك طعاماً.
9 ـ إنك لا تخاطب العباءة ، إنما يخاطبك من فيها:
نظر معاوية إلى رجل وقف بين يديه يخاطبه وعليه عباءة ، فجعل يزدريه ، فقال: يا أمير المؤمنين ، إنك لا تخاطب العباءة ، إنما يخاطبك من فيها.
10 ـ يا بنية إنه زوجك الذي أحله الله لك:
تزوج عبد الله بن عامر هند بنت معاوية ، فلمّا أدخلت عليه بالخضراء ، أرادها عن نفسه فتمنَّعت عليه وأبت أشد الإباء ، فضربها فصرخت ، فلمّا سمع الجواري صوتها صرخن وعلت أصواتهنّ ، فسمع معاوية فنهض إليهنّ، فاستعلمهن ما الخبر ، فقلن: سمعنا صوت سيدتنا فصِحنا. فدخل فإذا هي تبكي من ضربه ، فقال لابن عامر: ويحك مثل هذه تضرب في مثل هذه الليلة؟ ثم قال له: اخرج من ههنا ، فخرج وخلا بها معاوية ، فقال لها: يا بُنَّيةُ، إنه زوجك الذي أحله الله لك ، أو ما سمعتِ قول الشاعر:
مـن الخَفِرات البيضِ أمّـــا حـــرامُها فصـعبٌ وأمّـــا حِـــلُّها فذلـــولُ
ثم خرج معاوية من عندها ، وقال لزوجها: ادخل فقد مهدت لك خُلُقها ووطَّأته ، فدخل ابن عامر ، فوجدها قد طابت أخلاقها ، فقضى حاجته منها رحمهم الله تعالى.
11 ـ هل يصح قول معاوية: إن الكريم طروب:
عن محمد بن عامر ، قال: لام معاوية عبد الله بن جعفر على الغناء ، فدخل يوماً على معاوية ومعه بُديح ، ومعاوية واضع رجلاً على رجل ، فقال عبد الله لبديح: إيهاً يا بديح ، فتغنى ، فحرك معاوية رجله ، فقال عبد الله: مه يا أمير المؤمنين. فقال معاوية: إن الكريم طروب. هذا الخبر أورده البلاذري بنحوه ، وأورده ابن عبد ربه ، مع بعض الزيادات المنكرة.
وهذه الرواية الضعيفة يردها ما أخرجه الطبراني بإسناد حسن ، من طريق كيسان مولى معاوية قال: خطب معاوية الناس فقال: يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تسع ، وأنا أنهاكم عنهن: النوح ، والشَّعر ، والتبرُّج ، والتصاوير ، وجلود السباع ، والغناء ، والذهب ، والحِرُّ والحرير.
وكان رضي الله عنه ينهى عن الاستماع إلى الغناء وينكر ذلك على من يعرف به ، وكان عامله على المدينة ابن الحكم شديداً على أهل الدعارة والفسوق ، فكانوا يهربون من المدينة أثناء ولايته.
12 ـ قضاء ديون السيدة عائشة رضي الله عنه:
كان معاوية رضي الله عنه يهتم بالسيدة عائشة ويقضي عنها ديونها ، فعن سعيد بن عبد العزيز ، قال: قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار. وقال عروة: بعث معاوية مرةً إلى عائشة بمئة ألف ، فوالله ما أمْست حتى فرَّقتها.
13 ـ الاهتمام بحوائج الناس:
كان معاوية رضي الله عنه يشفق على نفسه أن يكون احتجابه أحياناً عن المسلمين ذنباً يحاسب عليه ، فلما سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من ولاه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره» ، جعل معاوية على حوائج الناس رجلاً يبلغه بها ، كي لا يغيب عنه شيء منها ، وكان عامله على المدينة إذا أراد أن يبرد بريداً إلى معاوية أمر مناديه فنادى: من له حاجة ، يكتب إلى أمير المؤمنين.
14 ـ تأثر معاوية رضي الله عنه بموت الصالحين:
حين توفي ابن لعتبة بن أبي سفيان وجاء ناس إلى معاوية يعزونه فيه ، قال: إن موت غلام من ال أبي سفيان قبضه الله ، ليس بمصيبة ، إنما المصيبة كل المصيبة لموت أبي مسلم الخولاني وكريب بن سيف الأنصاري.
15 ـ اهتمام معاوية بالمساجد والعيون:
اهتم معاوية بن أبي سفيان بالمسجد الحرام وأمر بتوسعته وأجرى له القناديل والزيت من بيت المال ، وأضاء المصابيح فيه لأهل الطواف ، واهتم بالمسجد الأقصى ، وقام مسلمة بن مخلد أمير مصر من قبل معاوية بالزيادة في المسجد الجامع بالفُسطاط عام 53 هـ ، وطلا جدرانه بالجص وزخرف بنيانه ، وبنى له أربع منارات شامخة وفرشه بالحصير. وأخذ أهل مصر ببناء المنارات للمساجد ، وأمر المؤذنين أن يكون أذانهم في الليل في وقت واحد.
ووسع المغيرة بن شعبة المسجد الجامع بالكوفة ، ثم قام زياد بن أبيه فبناه وزاد فيه وأحكمه وفرشه بالحصى، وكان يقول: أنفقت على كل أسطوانة من أساطين مسجد الكوفة ثماني عشرة مئة درهم. واتخذ فيه مقصورة جدّدها خالد بن عبد الله القسري في أثناء ولايته على العراق ، ثم قام عبيد الله بن زياد وزاد في المسجد الجامع وفرشه بالحصى ، وزاد زياد بن أبيه في المسجد بالبصرة زيادة كبيرة ، وبناه بالآجر والجص ، واستعمل الأساطين في البناء ، وسقفه بالساج وبنى منارته بالحجارة ، وبنى في البصرة المساجد الكثيرة ، ثم قام عبيد الله بن زياد فزاد في المسجد الجامع.
واهتم معاوية بالمرافق العامة في الدولة الإسلامية ، وحرص على توفير مياه الشرب في المدينة ، وأجرى في الحرم المكي عيوناً ، وأنشأ ابار المياه على الطرقات ، فربط بين أجزاء مملكته ربطاً محكماً.
16 ـ سباق الخيل في عهد معاوية رضي الله عنه:
ويعد معاوية رضي الله عنه من أوائل الخلفاء الذين أرسوا تقاليد سباقات الخيل في تاريخنا الإسلامي؛ حيث كان يقيم سباق الخيل في دمشق ، حيث يشترك فيه فرسان من جميع أطراف الدولة ، وكان هؤلاء يدخلون الحلبة وهم يقولون الشعر في الفخر بأنفسهم وخيلهم ، وعند انتهاء السباق كان الخليفة يقدم جوائز ثمينة للفائزين.
17 ـ إطعام الحجاج والصائمين:
جعل أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه دار المراجل بمكة ، والتي كان يطبخ فيها طعام الحجاج وطعام الصائمين من الفقراء في شهر رمضان المبارك وقفاً في سبيل الله.
18 ـ الله أقدر عليك منك عليه:
رأى معاوية ابنه يزيد يضرب غلاماً له ، فقال له: اعلم أن الله أقدر عليك منك عليه ، سوءة لك!! أتضرب من لا يستطيع أن يمتنع منك؟! والله لقد منعتني القدرة من الانتقام من ذوي الإحن ، وإن أحسن من عفا لمن قدر.
فهذا توجيه سديد من أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد نحو التخلق بهذا الخلق الكريم: العفو عند المقدرة، هذا الخلق الذي يعتبر من أهم عناصر السيادة وسياسة الأمة ، ولقد ذكَّره بقدرة الله جل وعلا عليه ليحطَّ من تعاظمه بنفسه ، وليخشى الله سبحانه فيمن هم تحت يده.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf