الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تأملات في الآية الكريمة:

*{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ..}*

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 144

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأول 1444ه / نوفمبر 2022م

وهو فيض من العطاء جزيل، يتجلى فيه رضوان الله سبحانه على الرجل الذي يتمثل فيه الخلوص لله بكليته، والذي أجمع الطغيان على حرقه بالنار، فكان كل شيء من حوله برداً وسلاماً، وعطفاً وإنعاماً، جزاءً وفاقاً(1).

1. قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}:

لقد آنسه الله سبحانه وتعالى في غربته، ورزقه الذرية الطيبة الصالحة بعد أن تقدم به العمر، وعاش حتى قرّت عينه برؤية حفيده يعقوب بن إسحاق، كما وهب له سبحانه إسماعيل قبل ذلك أيضاً من هاجر المصرية، ويبدو أن الآيات سكتت عن ذكره هنا؛ لأنه عاش مع أمه هاجر منذ كان رضيعاً في أرض الحرم بعيداً عن إبراهيم - عليه السّلام -، فما اسـتأنس إبراهيم في العيش معه كما استأنس بإسحاق ويعقوب عليهما السلام(2).

وفي كلمة {وَوَهَبْنَا لَهُ} تعني: أن الابن الصالح هبة من الله عزّ وجل، فمن كان له ولد صالح، فليسجد لله عزّ وجل، وليتضرع إليه بقوله: يا ربي لك الحمد على هذه النعمة، فما من نعمة أعظم من أن يكون لك ولد صالح، يعبد الله من بعدك ويعلّم الناس من بعدك(3).

فكيف بإبراهيم - عليه السّلام - الذي رزقه الله إسحاق ويعقوب وجعلهما من الأنبياء والأئمة الذين يهدون بأمر الله، وأوحى إليهم فعل الخيرات والمحافظة على الصلوات وإعطاء الزكوات، ووصفهم بأنهم {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} ]الأنبياء:73[.

2. قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}:

لم يأتِ بعد إبراهيم - عليه السّلام - نبي إلا من ذريته، ولا نزل كتاب إلا على ذريته حتى خُتموا بابنه محمد صلّى الله عليه وسلّم وعليهم أجمعين، وهذا من أعظم المناقب والمفاخر، أن تكون مواد الهداية والرّحمة والسعادة والفلاح والفوز في ذريته وعلى أيديهم اهتدى المهتدون، وآمن المؤمنون، وصلح الصالحون(4).

لقد كان أنبياء بني إسرائيل من نسل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السّلام - قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)} ]الأنعام:84-89[.

وقد بُعث محمد عليه الصلاة والسلام من نسل إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - فكان خاتم الأنبياء من ذرية إبراهيم وآل بيته الأطهار، وبهذا يكون إبراهيم - عليه السّلام - أباً للأنبياء جميعاً - عليهم السّلام - وللناس من بعده نسباً، وأباً لجميع المؤمنين بالوحي، والرسالة، والملّة الحنيفية التي بعث بها إبراهيم - عليه السّلام - وأبناؤه من الأنبياء والرسل الذين جاؤوا من بعده وهي دعوة التوحيد(5).

وفي قوله {وَالْكِتَابَ} أي: الكتب التي نزلت على الأنبياء من ذريته، وهي: القرآن، والإنجيل، والتوراة، والزبور(6).

مراجع الحلقة الرابعة والأربعون بعد المائة:

(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2732).

(2) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (6/384).

(3) تفسير النابلسي "تدبر آيات الله في النفس والكون والحياة"، (9/221).

(4) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1311.

(5) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، (1/85-86).

(6) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (18/11138).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/27


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022