الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تأملات في الآية الكريمة:

{إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 143

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأول 1444ه / نوفمبر 2022م

 

ولما كانت هجرة إبراهيم - عليه السّلام - هدفها إظهار دين الله عزّ وجل والتمكين له كان من المناسب أن يقول: {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، و{الْعَزِيزُ} أي: له العزة ولرسوله وللمؤمنين، و{الْحَكِيمُ}: في أقواله وأفعاله وأحكامه القدرية والشرعية(1).

وفي قوله: {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي: الذي له القوة، وهو يقدر على هدايتكم ولكنه حكيم ما اقتضت حكمته ذلك(2).

وقد اختار إبراهيم - عليه السّلام - في هذا الموضع من صفات ربه {الْعَزِيزُ} أي: الذي لا يُغلب ولا يَغلب، وهذه الصفة تناسب ما كان من محاولة إحراقه، وكأنه يقول للقوم: أنا ذاهب إلى {الْعَزِيزُ} الذي عزّ كل شيء فقهره، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزّته ولعظمته وجبروته وكبريائه(3).

و{الْعَزِيزُ}: الذي له العزّة كلها: عزّة القوة، وعزّة الغلبة وعزّة الامتناع، فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات وقهر جميع الموجودات، ودانت له الخليقة وخضعت لعظمته(4).

وقد اختار إبراهيم - عليه السّلام - اسم الله {الْحَكِيمُ} أي: في تصرفاته، فلا بُدّ أن سبحانه سينقلني إلى مكان يناسب دعوتي وأناس يستحقون الدعوة بما لديهم من آذان صاغية للحقّ، وقلوب متشوقة إليه، وتنتظر كلمة الحقّ التي أعرضتم أنتم عنها(5).

و{الْحَكِيمُ}: هو الله عزّ وجل، الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات، فالحكيم واسع العلم والاطّلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، واسع الحمد، تامّ القدرة، غزير الرّحمة، فهذا الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال ولا يقدح في حكمته مقال(6).

ولما اعتزل إبراهيم - عليه السّلام - قومه وفارقهم وهم بحالهم؛ لم يذكر الله عنهم أنه أهلكهم بعذاب، بل ذكر اعتزاله إيّاهم وهجرته من بين أظهرهم، فأمّا ما يُذكر من الإسرائيليات أنّ الله تعالى فتح على قومه باب البعوض، فشرب دماءهم، وأكل لحومهم وأتلفهم عن آخرهم، فهذا يتوقف الجزم به على الدليل الشرعي، ولم يوجد، فلو كان الله استأصلهم بالعذاب لذكره كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة، ولكن هل من أسرار ذلك أنّ الخليل - عليه السّلام - من أرحم الخلق وأفضلهم وأحلمهم وأجلّهم؛ فلم يدعُ على قومه كما دعا غيره، ولم يكن الله ليجزي بسببه عذاباً عاماً؟ وممّا يدل على ذلك أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط، وجادلهم ودافع عنهم، وهم ليسوا قومه، والله أعلم بالحال(7).

 

مراجع الحلقة الثالثة والأربعون بعد المائة:

(1) تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، (6/282).

(2) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1311.

(3) ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز ناصر الجليل، ص405.

(4) المرجع نفسه، ص405.

(5) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (18/11135).

(6) الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص50.

(7) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1311.

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022