الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تأملات في الآية الكريمة:

{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 141

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأول 1444ه / نوفمبر 2022م

 

قبل أن يهاجر إبراهيم - عليه السّلام - ويقرّر الرحيل، وجّه كلماته الأخيرة إلى قومه، وقد أودع فيها كل ما يحمل في نفسه وقلبه من مرارة غربته بينهم، كما أعلن فيها براءته من شكرهم وكفرهم(1).

1-{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}

إنما وليتم على الأوثان وعبدتموها؛ لتتوادوا فيما بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها واتفاقكم عليها، أو إنّ مودة بعضكم بعضاً هي التي دعتكم إلى اتخذاها بأن رأيتم بعض من تودونه اتخذها، فاتخذتموها موافقة له لمودتكم إيّاه(2).

وإنّ أصنامكم هذه ليست إلا رموزاً تتعصبون لها تعصّباً عاطفياً أعمى، لا يستند إلى دليل وبرهان، فهي لا تستحق أن تُعبد وتُعظّم وتُألّه، وهذه ظاهرة لا تزال مع الأسف موجودة عند كثير من الأمم والشعوب(3).

2-قوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}

تتغير الأحوال في يوم القيامة وتنقطع بينكم الصلات، وتتقلب المودة إلى بغض وعداء؛ لأنّها قامت على أساس فاسد باطل، كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} ]الزخرف:67[، وقد كشفت الآية الكريمة عن مصير هؤلاء في الآخرة والتي كانت بينهم مودّة دفعتهم للحفاظ عليها على حساب توحيد الله وإقراره بالعبادة، وتورطوا في حبائل إبليس، إذاً هي يوم القيامة عداء ولعن وخصام وانفصام، ويتنكر التابعون للمتبوعين، ويكفر الأولياء بالأولياء، ويتهم كل فريق صاحبه أنه أضله، ويلعن كل غوي صاحبه الذي أغواه ثم لا يجدي ذلك الكفر والتلاعب شيئاً، ولا يدفع عن أحد عذاباً(((4).

قال ابن القيم: هذه الخلطة التي تكون على نوع مودّة في الدنيا، وقضاء وطر بعضهم من بعض تتقلب إذا حقّت الحقائق عداوة ويعضُّ المخلِّط عليها يديه ندماً، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)} ]الفرقان:27-29[، وقال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} ]الزخرف:67[، وقال خليله إبراهيم لقومه: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} ]العنكبوت:25[.

وهذا شأن كل مشتركين في غرض، يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامة وحزناً وألماً، وانقلبت تلك المودّة بغضاً ولعنة وذمّاً من بعضهم لبعض، لما انقلب ذلك الغرض حزناً وعذاباً، كما يشاهد في هذه الدار من أحوال المشتركين في خزيه، إذا أُخِذوا وعوقبوا، فكلُّ متساعدين على باطل متوادين عليه، لا بُدَّ أن تنقلب مودّتهما بغضاً وعداوة (5).

3-قوله تعالى: {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}:

لا ينتهي الأمر عند هذه العقوبة التي يوقعونها بأنفسهم من التبرؤ واللعن، بل ينصرفون إلى عقوبة أشد {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} ]العنكبوت:25[، ونلحظ هنا أن الحقَّ سبحانه لم يقل: وما لكم من دون الله؛ لأنَّ الكلام في الآخرة حيث لا توبة لهم ولا رجوع، فقد انتفى أن يكون لهم وليّ أو نصير من الله، كذلك لا ناصر لهم من أوليائهم الذين عبدوهم من دون الله حيث يطلبون النصرة من أحجار وأصنام، لا تنطق ولا تجيب(6).

وقد بيّن لهم إبراهيم - عليه السّلام -: أن مأواهم النار أبداً وما لهم من أولياء ينجّونهم في ذلك اليوم المشهود، ولكنّ الذي نجاني من النار التي ألقيتموني فيها سينجيني من تلك النار برحمته وكذلك المؤمنين.

 

مراجع الحلقة الواحدة والأربعون بعد المائة:

(1) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (6/382).

(2) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الآلوسي، (20/150).

(3) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (6/383).

(4) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2732).

(5) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ابن قيم الجوزية، (1/455).

(6) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (18/11130).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022