الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تأملات في الآية الكريمة:

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 140

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1444ه / نوفمبر 2022م

 

لقد بدأ إبراهيم - عليه السّلام - حواره في سورة العنكبوت بدعوة قومه وأمرهم بإخلاص العبادة لله تعالى، وبالخوف من عقابه، ثم ثنّى بتحبيب هذه الحقيقة إلى قلوبهم ببيان أنَّ إيمانهم خير لهم، ثم ثلّث بتهييج عواطفهم نحو العلم النافع الذي يتنافى مع الجهل، ثم بعد ذلك نفّرهم من عيادة الأوثان، حيث بيّن لهم تفاهتها وحقارتها وعجزها، وحضّهم على طلب الرزق ممن يملكه، ألا وهو الله عزَّ وجل الذي إليه المرجع والمآب، ثم أخذ - عليه السّلام - يحذر قومه من الاستمرار في تكذيبه ويلفت أنظارهم إلى أن هناك حساباً وثواباً وعقاباً ويتأملوا في تاريخ الأمم المكذّبة برسلها كيف كانت نهايتها، وبعد هذه الجمل التذكيرية التي ابتدأ إبراهيم - عليه السّلام - في منطق وعظي مؤثر وأسلوب تذكيري محكم، يأتي ردّ قومه بهذا المستوى المنحطّ(1).

1. قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ}:

أي: ما كان جواب قومه على حججه وبراهينه القاطعة الملزمة إلا أن قال بعضهم لبعض: {قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} فقد عرفوا قوة حججه، وشعروا بخطره على عقائدهم وضلالاتهم حتى إنهم أقروا لهم بذلك، واعترفوا أمامه بظلمهم لأنفسهم بعبادة غير الله تعالى كما تقدّم بيانه بسورة الأنبياء {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} ]الأنبياء:64[(2).

إنَّ جواب قوم إبراهيم - عليه السّلام - دال على إفلاسهم وانهزامهم، إنّه مجرد هروب من المواجهة وإفلاس في الحجّة، وإنه جواب من لم يجد جواباً، وليس لديه إلا منطق التهديد والتلويح بالقوة والبطش الشديد، وهذه لغة من لا حجّة عنده ولا برهان(3).

2. قوله تعالى: {فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ}:

أنجى الله تعالى إبراهيم - عليه السّلام – من النار بعد أن ألقوه فيها، ولم يصبه شيء من حرها، بل كانت برداً وسلاماً عليه، كما تقدم تفصيل ذلك في سورة الأنبياء، عند قوله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)} ]الأنبياء:69-70[.

3. قوله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}:

إن في إنجاء إبراهيم - عليه السّلام - من النار دروساً وعبراً عجيبة ظاهرة، تدلُّ على كمال قدرة الله تعالى وعلى صدق إبراهيم - عليه السّلام -، وموالاته لربّه، وأنه تعالى لا يتخلّى عمن يلجأ إليه ويواليه وخصّ المؤمنين بالذكر؛ لأنّهم هم المنتفعون بهذه الآيات المستفيدون بما فيها من عبر ودروس وعظات(4).

وفي قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}: الآية الأولى هي تلك النجاة من النار، والآية الثانية هي عجز الطغيان عن إيذاء رجل واحد يريد الله له النجاة، والآية الثالثة هي أن الخارقة لا تهدي القلوب الجاحدة، ذلك لمن يريد أن يتدبر تاريخ الدعوات وتصريف القلوب، وعوامل الهدى والضلال(5).

 

مراجع الحلقة الأربعون بعد المائة:

(1) صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص229.

(2) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (6/381).

(3) صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص230.

(4) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (6/382).

(5) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2731).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022