الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

تأملات في الأية الكريمة:

{..وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 145

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأول 1444ه / نوفمبر 2022م

 

قال ابن كثير: أي: جمع الله له بين سعادة الدنيا الموصلة بسعادة الآخرة، فكان له في الدنيا الرزق الواسع الهنيّ، والمنزل الرحب، والمورد العذب، والزوجة الصالحة، والثناء الجميل، والذكر الحسن، فكل أحد يحبه ويتولاه، كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم، مع القيام بطاعة الله من جميع الوجوه، كما قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} ]النجم:37[ أي قام بجميع ما أمر به، وكمل طاعة ربه ولهذا قال: {وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، وكما قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)} ]النحل:120-122)[)(1).

وقال السعدي في قوله تعالى: {وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} من الزوجة الجميلة فائقة الجمال، والرزق الواسع، والأولاد الذين بهم قرّت عينه، ومعرفة الله ومحبته والإنابة إليه: {وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}: بل هو ومحمد صلى الله عليهما وسلّم أفضل الصالحين على الإطلاق، وأعلاهم منزلة، فجمع الله له بين سعادة الدنيا والآخرة(2).

وقال الرازي: إنَّ إبراهيم - عليه السّلام - لما أتى ببيان التوحيد أولاً دفع الله عنه عذاب الدنيا، وهو عذاب النار، ولما أتى به مرة بعد مرة مع إصرار القوم على التكذيب وإضرارهم به بالتعذيب، أعطاه الجزاء الآخر، وهو الثواب العاجل وعدده عليه بقوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} وفي الآية لطيفة، وهي أن الله بدل جميع أحوال إبراهيم في الدنيا بأضدادها لما أراد القوم تعذيبه بالنار وكان وحيداً فريداً، فبدّل وحدته بالكثرة حتى ملأ الدنيا من ذريته، ولما كان أولاً قومه وأقاربه القريبة ضالّين مُضلّين من جملتهم آزر، بدل الله أقاربه بأقارب مُهتدين هادين، وهم ذريته الذين جعل الله فيهم النبوّة والكتاب، وكان أولاً لا جاه له ولا مال، وهما غاية اللذة الدنيوية، آتاه الله أجره من المال والجاه، فكثر ماله حتى كان له من المواشي ما علم الله عدده، وأما الجاه فصار بحيث يقرن الصلاة عليه بالصلاة على سائر الأنبياء إلى يوم القيامة، فصار معروفاً بشيخ المرسلين بعد أن كان خاملاً حتى قال قائلهم: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} ]الأنبياء:60[.

وهذا الكلام لا يقال إلا في مجهول بين الناس، ثم إن الله تعالى قال: {وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} يعني ليس له في هذا الدنيا فحسب كما يكون لمن قدم له ثواب حسناته أو أملى له استدراجاً ليُكثر من سيئاته، بل هذا له عجالة وله في الأجر ثواب الدلالة والرسالة، وهو كونه من الصالحين، فإن كون العبد صالحاً أعلى مراتبه، لما بيّنا أن الصالح هو الباقي على ما ينبغي، ... ومن بقي على ما ينبغي لا يكون في عذاب، ويكون له كل ما يريد من حسن ثواب(3).

وهذه المرتبة التي نالها أبو الأنبياء إبراهيم - عليه السّلام - كانت بسبب تحقيقه للتوحيد ودعوته إليه، وقد ذكر الله أخباره في القرآن وبيّن مواقفه العقدية، وأنه كان أمة قانتاً لله حنيفاً، وما كان من المشركين والأنبياء كلهم على منهاجه؛ لكنه تميز بما ذكره الله من صلابته في الدعوة إلى التوحيد وسعة علمه وطول نفسه وشمول دعوته(4).

 

مراجع الحلقة الخامسة والأربعون بعد المائة:

(1) تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، (6/284-285).

(2) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1311.

(3) التفسير الكبير مفاتيح الغيب (تفسير الرازي)، (25/57).

(4) التدبر والبيان في تفسير القرآن بصحيح السنن، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، (26/71).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022