من كتاب الدولة الأموية: خلافة معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه)
اهتمام الدولة الأموية بالتجارة الداخلية والخارجية
الحلقة: الأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020
يتوسط موقع الدولة الأموية بين دول الشرق الأقصى من ناحية؛ مثل: الصين والهند ونحوهما ، وبين الدولة البيزنطية من ناحية أخرى ، ومعنى ذلك بالضرورة وطبقاً لمعايير ذلك العصر: أن أهم علاقاتها التجارية ارتبطت بهاتين الدولتين.
وبعد تولي معاوية الخلافة استقرت الأمور ، وبدأت حركة التجارة الداخلية تزدهر كما كانت عليه قبل ذلك، واهتم معاوية بمصالح التجار، وعمل على توسيع نطاق التجارة ، وتميز أهل الشام في حرفـة التجارة وفتحوا علاقات تجارية مع غربي أوروبة ، واستفادوا من الأسطول الإسلامي ، ومن بين العوامل التي ساعدت على نشاط حركة التجارة: الثراء العريض الذي نعمت به طبقة الحكم وحاشيتهم ، حيث نمّى في نفوسهم حب البذخ والرفاهية ، وبالتالي توفر عندهم الميل والحاجة إلى اقتناء المنتوجات الكمالية ، فأقبلوا على شراء السلع التجارية الباهظة الثمن ، مما زاد في فعالية التجار وازدهار التجارة.
وكان الأمويون يقومون بدور كبير في عالم التجارة وخصوصاً أن الخليفة معاوية رضي الله عنه كان والده من كبار تجار قريش ، كما أن معاوية نفسه لما كان والياً في عهد عثمان بن عفان على بلاد الشام كان يرسل بقوافله التجارية من الشام إلى حاضرة الجزيرة العربية ، وكان التجار يحتلون مكانة اجتماعية عالية في العصر الأموي وكانوا يقومون بتأسيس الشركات في سبيل زيادة فعالية التجارة ، حيث كانوا يساهمون في الشركة بتقديم المال وممارسة العمل كذلك ، أو بواحدةٍ منهما ، فإذا أقدم صاحب المال على تقديم ماله لآخر ليتاجر به لقاء حصة من الربح يتفق عليها ، فيسمى ذلك الاتفاق بالمضاربة. وقد ازدهرت شركات المضاربة وأصبحت وسيلة مهمة في مجال العمل التجاري.
وكانت تجارة الأسواق المحلية مليئة بالحركة والنشاط ، وقد أصبحت عاصمة الدولة دمشق مركزاً تجارياً مهماً يعود إلى الظروف السياسية الجديدة التي نشأت، فغيرت من سبل واتجاهات حركة التجارة عما كانت عليه سابقاً في العصر البيزنطي، حيث أصبحت دمشق عاصمة للخلافة الأموية ، ومحطّاً للتجارة الشرقية، وبالتالي أصبحت مركزاً لتوزيع البضائع إلى الجهات المختلفة ، بعد أن كانت القوافل المحملة بالبضائع الشرقية تتجه مباشرة إلى أنطاكية على ساحل الشام الشمالي.
وهكذا كان لأهمية تجارة دمشق التي تتكدّس في أسواقها البضائع المتنوعة ، المنتجة محلياً والمستوردة أن قال ياقوت بأنه يستحيل أن يُطلب شيء في أسواق دمشق غير موجود، حتى إن السلع الغالية الثمن التي تستورد من جميع أنحاء العالم المتمدن موجودة فيها.
ثم إن دمشق كانت بحكم موقعها الجغرافي المتاخم للبادية المركز التجاري الهام الذي يقصده البدو والمقيمون في الصحراء، وقد اشتهرت مدن الشام كحلب ، والرصافة ، وحمص ، والرملة ، والقدس ، وأنطاكية بأهميتها التجارية ، ونشاط أسواقها. وكانت عاصمة الشام محط رحال القوافل التجارية الاتية من الشرق ، ولا شك أن الكوفة والبصرة والموصل ، ومدن الحجاز ، ونجد وغيرها قد ازدهرت حركة التجارة فيها أيضاً ، إلا أن مدن الشام كانت تزدهر فيها التجارة أكثر من غيرها ، حيث إنها تعتبر مراكز تجارية كبرى وأسواقاً هامة ، كما أن الأسواق الموسمية التي كانت تقام في بعض المدن ، وتعرض فيها البضائع المتنوعة بكثرة ، كانت توفر مجالاً أوسع لتأمين كافة متطلبات واحتياجات سكان المدن والقرى كذلك ، بالإضافة إلى أن هذه الأسواق كانت مناسبة هامة للتجار الذين يأتون إليها من أماكن مختلفة لتستفيد من كل ذلك. وقد كان من هذه الأسواق التي كانت قائمة في العصر البيزنطي واستمر قيامها في العصر الأموي سوق بُصرى الذي كانت تطول مدة إقامته، حيث كان يستمر من ثلاثين إلى أربعين يوماً ، وكذلك فقد كان هناك سوق أذرعات الذي استمر قيامه حتى ما بعد العصر الأموي.
وأما بالنسبة للتجارة الخارجية في عهد معاوية رضي الله عنه وابنه ، فقد ازدهرت التجارة مع الدولة البيزنطية، وازدادت نمواً وقوة ، وقد ساهمت عدة عوامل في هذا الازدهار؛ منها:
1 ـ كثرة الاضطرابات والحروب في المنطقة الشرقية من الدولة الأموية ، مما خفض من حجم المبادلات التجارية بينها وبين دول المشرق ولو بشكل جزئي ، وبالتالي زيادة حجم المبادلات التجارية مع دولة بيزنطة بالغرب.
2 ـ الاستقرار الأمني في الدولة الأموية ، دفع بكثير من رؤوس الأموال للهجرة من مناطق التوتر في الشرق إلى إقليم الشام ، بحثاً عن فرص استثمار تجارية آمنة.
3 ـ الاعتماد الكلي لكل من الدولتين على الأخرى في مجال هام وحيوي بالنسبة لها ، فكما كانت الدولة البيزنطية تعتمد كلياً على أوراق البردي ، كانت الدولة الأموية تعتمد كلياً في حجم النقد الذهبي داخلها على ما يردها من الدولة البيزنطية.
ومن العلامات التي تدل على ازدهار التجارة بين الطرفين في عهد معاوية ومن بعده ما يلي:
أ ـ كمية الدنانير الذهبية البيزنطية التي كانت موجودة في داخل الدولة الأموية تتم بها عمليات التداول الداخلية.
ب ـ استمرار مصانع إنتاج البردي في مصر في إنتاجه على النهج البيزنطي للتصدير حتى عهد عبد الملك بن مروان.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf