الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

من كتاب الدولة الأموية: خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

الحرف والصناعات في الدولة الأموية

الحلقة: الحادية والأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020

تأثرت الحرف والصناعات في العصر الأموي بالبيئة الاقتصادية المحيطة بها ، كما تأثرت الصناعات والحرف بطبيعة الاقتصاد الأموي ، حيث كان النشاط الزراعي هو النشاط الرئيس فيه ، فظهرت وتطورت صناعات تعتمد في موادها الخام على القطاع الزراعي ، مثل: صناعة النسيج وصناعة المعاصر والمطاحن ، كما واكبت الصناعة حركة التطور العمراني بالدولة الأموية ، فظهرت وتطورت صناعة مستلزمات البناء ، إضافة إلى تأثر الصناعة بالجو العسكري السائد في معظم فترات العصر الأموي ، حيث تطورت صناعة السفن التجارية، وقد اهتمت الدولة الأموية ببناء أسطول حربي ، ليقف في وجه الأسطول الحربي البحري البيزنطي ، والذي كان يهدد سلامة الشواطئ الغربية للدولة الإسلامية ، فتطورت صناعة السفن الحربية في العصر الأموي بشكل كبير ومتلاحق، فقد كان الإنتاج في بداية العصر الأموي مقتصراً على السفن ، التي كانت تنفرد مصر بصنعها حتى عام 49 هـ ، حيث أمر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، بإنشاء دار لصناعة السفن بالشام بمدينة عكا ، وقد استقدم من مصر الخبراء للاستفادة منهم في دار الصناعة الجديدة، والتي تميزت بسهولة حصولها على الأخشاب من جبال لبنان. ثم تطورت هذه الصناعة، فأنشئت في مصر منطقة صناعية جديدة ، خاصة بصناعة السفن الحربية، وذلك عام (54 هـ).
واستمرت الدولة الأموية في تطوير صناعة السفن فيما بعد عهد معاوية رضي الله عنه ، وقد أصبحت مناطق دور صناعة السفن الحربية مناطق جذب سكاني ، كما أصبحت مناطق جذب وتوطن صناعي ، فأصبحت أماكن استثمار خصبة ، حيث أنشئت فيها الفنادق ، والمطاحن ، ونحوها من الأنشطة الأخرى، وساعد على نمو وتطور هذه الصناعة ما اتسمت به منذ بداية نشأتها ، من دقة التنظيم ، ومن صور هذه الدقة ابتكار وظيفة المشرف العام على دار الصناعة؛ ويسمى: متولي الصناعة ، ومن أبرز مهامه: جمع الطاقات البشرية الفنية العاملة في هذا المجال من نجارين وحدادين وعمال ونحوهم ، سواء من الأقاليم المجاورة للصناعة ، أو من مختلف أقاليم الدولة ، ومن مهامه أيضاً: توفير الأدوات الخام ، مثل: الأخشاب والمسامير وغيرها من مستلزمات دار الصناعة.
وعليه: يمكن القول: إن التنظيم كعنصر من عناصر الإنتاج في العصر الحديث ترجع جذوره إلى القطاع العام الصناعي في العصر الأموي ، أو (متولي الصناعة) ، ومن صور دقة تنظيم هذه الصناعة: الاهتمام بتحديد أجور العمال ، وتوفير الكميات الغذائية اللازمة لهم ، كما حرصت الدولة على توفير سبل الراحة للعاملين في هذه الصناعة ، وكان من بين ذلك رفعها كل ظلم يقع على العامل ، وتوفير وحدات سكنية للعمال والمشرفين على هذه الصناعة بداخل دور الصناعة ، وكذا وحدات لتموين السفن الحربية بالسرعة والدقة المطلوبة، ونتج عن ذلك كله تطور هائل في حجم الأسطول البحري إبان العهد الأموي.
لقد كانت الدولة البيزنطية متفوقة على الدولة الإسلامية الأموية في ميادين البحر ، فاتخذ معاوية الوسائل المناسبة لإضعافها ثم القضاء عليها فيما بعد ، وفي هذا الفقه درس عظيم لقادة الأمة في معرفة عوامل قوة العدو ، وجوانب تفوقه ، ثم السعي للوصول لنقطة تساوي ثم تفوق على الخصوم ، سواء في الميادين العسكرية ، أو السياسية، أو الاقتصادية أو الإعلامية ، ومما نلاحظه الان القوى العسكرية الهائلة التي تميز بها عدونا سواء على مستوى السلاح الجوي أو النووي والذري، فواجب على الأمة أن تسعى لإيجاد حلول حتى تستطيع أن تقاوم أعداءها، وعلى علماء الأمة ومفكريها ألا يخضعوا للضغوط النفسية والسياسية والإعلامية التي يمارسها الأعداء علينا، وعليهم أن يبينوا أحكام الله في امتلاك ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل. إن استمرار الأعداء في امتلاك الأسلحة الرادعة والتي لها قدرة بإذن الله على حسم المعارك العسكرية، جعلهم يتجبرون ويتغطرسون ويعملون على إفساد عقائدنا وثقافتنا وديننا، ويستولون على خيراتنا وثرواتنا، وديننا يوجب علينا أن نعد لأعدائنا ما استطعنا من قوة، فلذلك وجب علينا أن نسعى لامتلاك الأسلحة الرادعة لكي نحمي بها أمننا وديننا ونقيم العدل وندفع الظلم عن البشرية.
ومن الصناعات التي اشتهرت في العهد الأموي: صناعة السفن التجارية ، ولم تكن السفن الحربية تختلف كثيراً عن السفن التجارية ، ومع ذلك كانت مناطق تصنيعها مختلفة ، فقد اختصت منطقة البحرين أكثر من غيرها بإنتاج السفن التجارية ، في حين كانت مصر ، وعكا ، وتونس مواطن تصنيع السفن الحربية ، وساعد البحرين على ذلك وقوعها على الخليج العربي ، والذي كان يعد من أهم طرق المواصلات التجارية البحرية بين الشرق والغرب، وكذا ما اكتسبه أهلها من خبرة ملاحية نتيجة احتكاكهم بشعوب لديها خبرات ملاحية كشعوب الهند ، والصين.
ولم تقتصر صناعة السفن على البحرين ، بل امتدت إلى مدينة واسط بالعراق ، وقد تطورت هذه الصناعة في عهد ولاية الحجاج بصفة خاصة ، فقد أدخل تحسينات على صناعة السفن التجارية لتستطيع السير في عرض البحر، فأمر بتكبير حجمها ، واستخدام المسامير لتقويتها ، والاهتمام بهيكلها العظمي ، وكانت السفن التي تصنع في واسط تسمى الواسطية ، وكانت مدينة واسط تنتج القوارب الصغيرة ، والتي كانت تستخدم للنزهة والسفر ونقل السلع التجاريـة بين واسط والبصرة لضحالة الطريق النهري بينهما وعدم قدرة السفن على السير فيه، ولم تكن مراكز إنتاج السفن الشرقية بالدولة الأموية متخصصة في إنتاج السفن التجاريـة فقط وإن كان هو الغالب عليها، بل كان لديها القدرة المزدوجة ، فقد قام الحجاج أيضاً ببناء قوة عسكرية بحرية بالخليج العربي وبحر الهند.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022