الخميس

1446-08-14

|

2025-2-13

تأملات في الآية الكريمة:

{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 200

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رجب 1444ه/ فبراير 2023م

 

بشرت امرأة إبراهيم - عليه السّلام - بالولد في الآية السابقة، وتسجل هذه الآية ردّ فعلها على تلك البشرى، وأنه كان الاندهاش الذي أطلق صحتها.

‌أ- {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى}:

قالت امرأة إبراهيم معبرة عن استغرابها ودهشتها ومفاجأتها يا ويلتى: يا للنداء، والمنادى الويل مضافاً إلى ياء المتكلم، وزيدت التاء للتقوية، وتحولت الياء إلى ألف مقصورة: يا ويلتى، فكأنها تنادي الويل للحضور، وهو تعبير غير مقصود معناه حرفياً، وإنما هو تعبير عن منتهى التعجيب والاستغراب(1).

{يَا وَيْلَتَى}: كلمة تستعمل عند وقوع عند وقوع الداهية العظيمة، والمراد بها التعجب لا الدعاء، وقد جاءت في سياق النداء، وكأنها تتصور الويل غير حاضر فنادته كالذي يعقل، وذلك على سبيل الاستعارة المكنية، لقد صورت الآية الكريمة دهشتها وتعجبها الشديدين من وقوع هذه المفاجأة، وذلك من خلال أسلوب الندبة في {يَا وَيْلَتَى}(2).

‌ب- {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ}:

الهمزة الأولى للاستفهام التعجبي أو الإنكاري ثم الفعل ألد، فمقتضى البشرى بالولد أن تحمل وأن تلد، وهذا في مألوف البشر غير مألوف ولا معهود ولا متوقع، ومن هنا جاءت الدهشة، وجمع همزتين متتاليتين وصعوبة نطقهما؛ لتدلل بجمعها على معناها من صعوبة تصور الموقف.

{وَأَنَا عَجُوزٌ}؛ الواو للحال والمبتدأ والخبر بعدها في محل نصب حال، ومن يدخل تحت هذا الوصف كبير السنّ، لكن بلا تحديد سن معين، فهل هو من سنِّ الستين مثلاً أو قبلها وما بعدها، هذا يحدده العرف أكثر مما تحدده اللغة، لكنَّ اللغة وضعته للكبير والكبيرة كالشيخ(3).

‌ج- {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا}:

الواو للحال أو للعطف، وهذا اسم إشارة للقريب لتعيينه، واستخدمت لفظ {بَعْلِي} دون زوجي فيها دقّة شديدة؛ لأنّ البعل هو الذي يقوم بأمر المبعول ولا يحوجه لأحد، فالبعل هو الزوج الذي يقوم على أمر زوجته، فلا يحوجها إلى غيره في أي شيء من الأشياء(4).

و{شَيْخًا}: حال أو الجملة كلها في موضع حال، والشيخ الكبير السنّ دون تعيين، وللعرف الاجتماعي واللغوي دوره في تعيين وتحديد السن(5).

ويقال: أنّها كانت في سنِّ التسعين، وكان إبراهيم - عليه السّلام - في سنِّ المئة والعشرين، والله أعلم(6).

‌د- {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}:

إن: للتوكيد، وللإشارة إلى غرابة الأمر ووقعه عليها، هذا: للمرة الثانية بعد {وَهَذَا بَعْلِي}؛ لتعيين الشيء المتحدث عنه واستحضاره بتمامه، وفيه قبل أن نصل إلى كلمة عجيب فيه رائحة التعجب(7).

{لَشَيْءٌ}: اللام لمزيد التأكيد، فتأمل كيف شُخص النصّ بالمؤكدات على قصره؛ لتوكيد غرابة الأمر وعجيب الشأن، وكلمة شيء مطلقة عامة تطلق على كل شيء، حتى الأشياء المعنوية مثل هذا الأمر.

{عَجِيبٌ}: متعجّب منه، مستغرب وبعيد في التصور وموغل في العجائبية(8).

• الدروس والفوائد في الآية الكريمة:

- العجيب كيف ينقل النصُّ القرآني على محدودية عدد كلماته انفعالات الشخوص، وكيف يغوصُّ في أعماقهم؛ ليرصد أدقّ خلجاتهم، وهذا هو الإعجاز القرآني، أو الإعجاز النفسي في القرآن الكريم إن شئت تحديداً أو رُمت تعييناً.

- السنن الكونية جعلها الله ليضبط الناس شؤونهم ولا يبنوها على الخوارق، أما هو سبحانه فإنه متى شاء خرق هذه السنن لمن شاء؛ ليعلم الناس أن للكون إلهاً، وليست قوانين تسير وحدها، وخرق السنن يؤيد إيمان المؤمنين بالخالق العظيم ويجعلهم يتوكلون عليه.

- أسباب عدم الانجاب في حالة إبراهيم وزوجه كاملة، وليست من طرف واحد ولكن الله لا يعجزه شيء.

- بين الفينة والأخرى يري الله الناس آياته ويكسر رتابة الحياة والإيقاع المألوف للأشياء؛ ليخرجوا من قوقعة الإلف الذي يقتل الدهشة، فكم جميل أن تعود لنا مشاعر الدهشة بالأشياء والانفعال بها(9).

- قال ابن كثير: حكى قولها في هذه الآية {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} كما حكى فعلها في الآية الأخرى {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} ]الذاريات:29[، كما جرت به عادة النساء في أقوالهم وأفعالهن عند التعجب(10).

- وقال الرازي: أنّها إنما تعجبت بحسب العرف والعادة لا بحسب القدرة، فإن الرجل المسلم لو أخبره مخبر صادق بأن الله تعالى يقلب هذا الجبل ذهباً إبريزاً، فلا شكَّ أنه يتعجب نظراً إلى أحوال العادة؛ لا لأجل أنه استنكر قدرة الله تعالى على ذلك(11).

- وقال الألوسي: ومقصدها كما قيل: استعظام نعمة الله تعالى عليها في ضمن الاستعجال العادي لا استبعاد ذلك من حيث القدرة(12).

 

مراجع الحلقة المائتين:

(1) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص365.

(2) صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص349.

(3) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص365.

(4) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (11/6563).

(5) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص366.

(6) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (4/78).

(7) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص266.

(8) المرجع نفسه، ص267.

(9) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص368.

(10) تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، (4/266).

(11) التفسير الكبير مفاتيح الغيب (تفسير الرازي)، (18/29).

(12) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الآلوسي، (12/100).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022