تأملات في الآية الكريمة:
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 202
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1444ه/ فبراير 2023م
في السِّياق السابق تكلمت الآيات عن الرسل الملائكة الذين جاؤوا إلى الرسول إبراهيم - عليه السّلام - وبشروه بأنهم آتون لإهلاك قوم لوط، وبشروا امرأته بالولد والحفيد من بعد الولد، فاطمأنت نفس إبراهيم وزايله الخوف فطفق يجادل الملائكة في قوم لوط، فالآيات هذه والسابقات نسق في تمام الاتّساق(1).
أ- {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ}:
{فَلَمَّا}: وقت أن، {ذَهَبَ}: زايله وراح عنه، {عَنْ إِبْرَاهِيمَ}: عن نفسه وقلبه، {الرَّوْعُ}: بفتح الراء: الخوف والفزع، يقال: راعه أي أفزعه كروّعه(2).
ب- {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى}:
بعد الروع وذهابه، جاءت البشرى لإبراهيم، واستخدم النصّ المجيء الذي هو للقرب، وأطلق البشرى عن تحديد فحواها؛ لأنّه قد ذكر قريباً فأغنى عن إعادته(3).
ج- {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}:
{يُجَادِلُنَا}: الجدال والمجادلة من الجدل، وهو النقاش والحوار لكن على وجه أشد، أي يحاول مدافعة العذاب عن قوم لوط وتأخيره عنهم، من أجل إعطائهم مهلة وفسحة وفرصة للتوبة والرجوع إلى الصواب وهذا يدل على حلمه، لا على تهاون في الأحكام معاذ الله، وقد أثنى عليه الله دلالة على أن منطلقه كان الحرص على الدين، والحرص على إيمان الناس بالدين قبل إهلاكهم، و{فِي قَوْمِ لُوطٍ}: أي في شأن قوم لوط، وفي أمرهم وقضية عذابهم وإهلاكهم(4).
وقال الشنقيطي: لم يبيّن هنا ما جادل به إبراهيم الملائكة في قوم لوط، ولكنه أشار إليه في "العنكبوت" بقوله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)} ]العنكبوت:31-32[، فحاصل جداله لهم أنه يقول: إن أهلكتم القرية وفيها أحد من المؤمنين، أهلكتم ذلك المؤمن بغير ذنب، فأجابوه عن هذا بقولهم: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا}، ونظير ذلك قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} ]الذاريات:35-36[(5).
• الدروس والفوائد في الآية الكريمة:
- الأنبياء خيرة الله من الخلق، وهم أرحم الخلق بالخلق.
- الأنبياء يصيبهم الروع والاندهاش كباقي الناس.
- الجدال مأذون طالما كان صاحبه يتحرّى الحق.
- مجادلة إبراهيم - عليه السّلام - دلالة على حلمه.
- لا يتصور أن إبراهيم - عليه السّلام - يجادل لو جزم أن الأمر قد حسم وأصبح حتماً(6).
مراجع الحلقة الثانية بعد المائتين:
(1) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص274.
(2) المرجع السابق، ص274.
(3) المرجع نفسه، ص275.
(4) المرجع نفسه، ص275.
(5) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، (3/31).
(6) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص276.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي