تأملات في الآيات الكريمة:
{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (*) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (*) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (*)}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 153
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الأول 1444ه/ ديسمبر 2022م
1-قوله تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}
يصور الصورة المهتاجة المتشنجة التي عاملوه بها، وواجهوه على أساسها ومعنى {يَزِفُّونَ}: يسرعون، لقد هاجموا عليه مسرعين صاخبين وهيّجوا الآخرين معهم، وأسرع الجميع إليه، يسرعون الخطى ويحدثون حوله زفيفاً، وهم جمع كثير غاضب هائج وهو فرد واحد، ولكنه فرد مؤمن، فرد يعرف طريقه، فرد واضح التصور للخالق العظيم عقيدته معروفة له محدودة، يدركها في نفسه، ويراها في الكون من حوله، فهو أقوى من هذه الكثرة الهائجة المائجة المدخولة العقيدة المضطربة التصور، ومن ثم يجيبهم بالحقَّ الفطري البسيط لا يبالي كثرتهم وهياجهم وزفيفهم(1).
2-قوله تعالى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)}:
لقد ناقشهم إبراهيم - عليه السّلام - نقاشاً موضوعياً عقلياً منطقياً، لكن القوم لا يريدون أن يقتنعوا، ولا ينفع معهم المنطق.
وقال لهم - عليه السّلام -: كيف تنحتون الأصنام نحتاً، وتجعلونها تماثيل جميلة، ثم تجعلونها آلهة لكم وتعبدونها، إنكم أنتم الذين نحتّموها وصنعتموها وأنتم أقوى منها، وهل يصنع الإنسان ربّه؟ ثم يعيده بعد ذلك، ويطلب منه كشف الضرِّ أو جلب النفع؟
وقال لهم: إنَّ الله خلقكم وخلق ما تعملون وتنحتون من هذه الأصنام الآلهة، فعليكم أن تعبدوه وحده؛ لأنّه وحده هو الخالق، فيما أنه لا خالق إلا هو، فيجب أن يكون: لا معبود إلا الله(2).
إنَّ قوله: {وَمَا تَعْمَلُونَ} يُراد به الأصنام التي عملوها بأيديهم، فالله خلقهم وخلق أصنامهم التي عملوها، لم يستمع القوم لمنطقه الموضوعي، وأصروا على محاكمته وأرادوا اعترافه بارتكاب الفعل؛ ليُدينوا باعترافه ويعاقبوه على فعله، لكن إبراهيم تغلّب عليهم بمنطقه وحجته وبرهانه، وبدل أن يحاكموه حاكمهم هو، وبدل أن يُفحموه أفحمهم هو، وبدل أن يضعف هو أمامهم ضعفوا هم أمامه، لقد صار هو القاضي وصاروا متهمين أمامه؛ أدانهم ووبّخهم وأقام الحجة عليهم، وهذا هو منطق الحقّ دائماً، وهذا موقف دعاة الحق دائماً عندما يواجهون جنود الباطل(3).
مراجع الحلقة الثالثة والخمسون بعد المائة:
(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2993).
(2) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/354).
(3) المرجع نفسه، (1/354).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي