الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

تأملات في الآية الكريمة:

{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 152

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأول 1444ه/ ديسمبر 2022م

 

أقبل إبراهيم - عليه السّلام - على الأصنام يحطمها ومال إليها يضربها بأداة قوية متينة كان يحملها بيده اليمنى، فمعنى {ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} ضربها بيده اليمنى، وحطمها بالأداة التي كان يحملها بيده اليمنى، ومعلوم أن غالب الناس يستخدم الواحد منهم يده اليمنى في الحمل والاستعمال، واليد اليمنى عند غالب الناس أقوى من اليد اليسرى، ولهذا استعمل إبراهيم - عليه السّلام - يده اليمنى في تحطيم الأصنام، وانتهت عملية تحطيم الأصنام، حيث حطمها كلّها إلا واحداً، قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} ]الأنبياء:58[، والجذاذ هي المكسّرة المحطمة، وقد بيّنت ذلك في قصة إبراهيم في سورة الأنبياء.

إنَّ إبراهيم - عليه السّلام - يعرف ماذا يفعل، ويخطط لما بعد فعله وكل تصرف عنده مدروس هادف يريد منه تحقيق شيء آخر، فتحطيمه للأصنام ليس بمجرد تحطيمها والتخلص منها، وإنَّما ليزيل الحاجز المادي الذي يحول بين قومه وبين الإيمان.

وقد أبقى كبير الأصنام دون تحطيم؛ وذلك لهدف بيّن: {إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}، وعندما يجدون الصنم الكبير سليماً، فعليهم أن يرجعوا إليه، وأن يسألوه ألم يكن موجوداً؟ ألم يشاهد تحطيم الآلهة الصغيرة؟ ألم يرَ الشخص الذي حطّمها؟ إذن عنده الخبر اليقين فلا بُدّ أن يسألوه، ألم نقُل أن خطوات إبراهيم وأفعاله مدروسة؟ وإنه كان يعي ويعرف ماذا يفعل؟ لذلك ترك الصنم الكبير دون تحطيم، وعاد القوم من احتفالهم وعيدهم، وذهبوا إلى أصنامهم فوجدوها محطّمة إلا الصنم الكبير، ففوجئوا واستغربوا ودُهشوا(1).

وقد بيّنت في قصة إبراهيم - عليه السّلام - في سورة الأنبياء تفاصيل محاكمته، هذا واستعمال اليد اليمنى هو من شرعة إبراهيم - عليه السّلام -، وهو ما تسير عليه معظم البشرية في أعمالها وسلامها واختيارها ولو بشكل عفوي أو لا ديني، ثم جاء الإسلام واعتمد هذا الحكم الشرعي في تقديم اليد اليمنى في القربات والأعمال الطيبة والصالحة، وبيّن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عدة أحاديث(2)، وخصّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده اليمنى الشريفة في أعمال كثيرة وطلب من المسلمين ذلك، وخصصها علماء الحديث بأبواب عدة منها باب التيمّن في الأكل وغيره(3)، وباب التيمّن في دخول المسجد(4)، وباب التيمّن في الوضوء والغسل(5)، وكان يعجبه التيمّن(6)، وكان يحب التيمّن، وهو ما يحرص عليه المسلم يومياً(7).

 

مراجع الحلقة الثانية والخمسون بعد المائة:

(1) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/350).

(2) شرعة الله للأنبياء، محمد مصطفى الزحيلي، دار ابن كثير، دمشق، ط1، 2018م، ص185.

(3) التيمُّنُ: هو البَداءةُ باليمين، واستعمالُ اليد اليمنى في الأكل والأخذ والعطاء، صحيح البخاري، رقم (5065).

(4) صحيح البخاري، رقم (416).

(5) صحيح البخاري، رقم (401).

(6) صحيح البخاري، رقم (166).

(7) شرعة الله للأنبياء، محمد مصطفى الزحيلي، ص185.

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022