الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

تأملات في الآية الكريمة:

*{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}*

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 137

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1444ه / نوفمبر 2022م

 

‌أ- {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}:

يُعذب الله عزّ وجل من يشاء، له الحكم والتصرف فيما يريد، والكلام هنا عن المكذبين المعرضين وعن الكافرين، وقد ناسب أن يبدأ معهم بذكر العذاب، و{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} أي: يعذب من يشاء منكم ومن غيركم في الدنيا والآخرة بعدله في حكمه بحسب سننه في خلقه(1).

‌ب- {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ}:

ويرحم من يشاء بفضله ورحمته، فهو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقّب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون(2).

‌ج- {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}:

أيّ: ترجعون، وجاء بصيغة {تُقْلَبُونَ} الدالة على الغصْب والانقياد عُنوة؛ ليقول لهم: مهما بلغ بكم الطغيان والجبروت والتعالي بنعم الله عزّ وجل، فلا بُدّ لكم من الرجوع إليه، والمثول بين يديه سبحانه وتعالى، فتذكروا هذه المسألة جيداً، حيث لا مهرب لكم منها(3).

ولم يقل الله عزّ وجل إليه ترجعون، بل قال: {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}، فيبدو أن الإنسان عندما ينتقل إلى الآخرة تتغيّر كل المقاييس لديه، فكل شيء حققه في الدنيا من مكاسب ينتهي وتقيّم بمقياس آخر، مقياس العمل الصالح ومقياس نفع الناس ومقياس الاستقامة على أمر الله، إنّه مقياس الشرع فقط(4).

قال تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)} ]الواقعة:1-3[، ففي هذا اليوم الذي تنقلب فيه إلى الله نُقلب، وكأن هناك انقلاباً سيحصل، فكل شيء للدنيا يبقى في الدنيا، قد يكون أسعد السعداء في الدنيا وهو أشقى الأشقياء في الآخرة، وقد يكون أذكى الناس فيبدو في الآخرة من أغباهم وهكذا.

ومن معاني القلب موضوع المقاييس، ففي يوم القيامة مقياس يختلف عن مقاييس الدنيا، فالناس الآن لديهم مقاييس كثيرة يُقاسون بها فيرتفعون؛ كمقياس الجمال، ومقياس المال، ومقياس النّسب، ومقياس الجّاه، ومقياس الذكاء، ومقياس القوّة، هذه كلها مقاييس يقيّم الناس بها، وأما في الآخرة؛ فهناك مقياس واحد: ماذا فعلت من عمل خالص لوجه الله؟(5)

إنَّ من قدرة الله على كل شيء، تعذيبه لمن يشاء ورحمته لمن يشاء، وإليه وحده المآب، لا يعجزه أحد، ولا يمتنع عليه أحد، والعذاب والرّحمة يتبعان مشيئة الله من حيث إنّه بيّن طريق الهدى وطريق الضلال، وخلق للإنسان من الاستعداد ما يختار به هذا أو ذاك، وييسر له الطريقين سواء، وهو بعد ذلك، وما يختار غير أن اتجاهه إلى الله ورغبته في هداه، ينتهيان به إلى عون الله له - كما كتب على نفسه- وإعراضه عن دلائل الهدى وصدِّه عنها يؤديان إلى الانقطاع والضلال، ومن ثم تكون الرّحمة ويكون العذاب {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}: تعبير عن المآب فيه عنف، يناسب المعنى الذي بعده(6).

 

مراجع الحلقة السابعة والثلاثون بعد المائة:

(1) التدبر والبيان في تفسير القرآن بصحيح السنن، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، (17/179).

(2) المرجع نفسه، (17/179).

(3) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (18/11121).

(4) تفسير النابلسي "تدبر آيات الله في النفس والكون والحياة"، (9/211).

(5) المرجع نفسه، (9/211).

(6) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2731).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022