من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار (ج1)
معركة الحرّة: الدروس والعبر
الحلقة: التسعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ ديسمبر 2020
1 ـ دواعي فشل أهل المدينة:
لقد كان محكوماً على حركة المدينة بالفشل، لأنهم لم يوحّدوا صفوفهم، ولم يكن لهم قائد واحد، لأن تعدد القوّاد في المعركة من دواعي الهزيمة، وهذا ما تنبأ به عبد الله بن عباس عندما سأل عن حالهم؟ فقيل: استعملوا عبد الله بن مطيع على قريش، وعبد الله بن حنظلة على الأنصار. فقال ابن عباس: أميران؟ هلك القوم ، ولو حصل الانتصار، فدواعي اشتعال الفتنة موجودة؛ ممن يكون الخليفة؟ هل يتولاها رجل من قريش أو من الأنصار؟ فهم لم يعلنوا أنهم تبع لابن الزبير .
ومن دواعي الفشل: قلة ما تحت أيديهم من الأرزاق، ولو استمر الحصار مدة طويلة لهلك الناس من الجوع، لأن ما بها من الميرة لا يكفيها لسد حاجتها أياماً، وجل طعامها يأتيها من التجارة، أو من بساتين خارج حدود المدينة، فكيف يغادر هؤلاء في حرب ليس عندهم مؤونة لها، يقفون أمام جند الشام المدعمين بالسلاح والمال؟!
ومن دواعي فشلهم: عدم بروز هدف يريدون تحقيقه بعد خلع يزيد والنصر. وإذا كان هدفهم خلع يزيد: هل كانوا يريدون أن تكون إمارة مستقلة؟ وهذا غير ممكن. وإذا كان هدفهم تولية ابن الزبير، لماذا لم يرفعوا راية واحدة باسم ابن الزبير، ولماذا لم يطلبوا المدد منه؟ ولو ضم ابن الزبير جنده إلى جند المدينة، لتكونت قوة تستطيع أن تقف أمام جيش مسلم بن عقبة، ولكنهم عندما وزعوا قواتهم وعددوا معاركهم استطاع الأمويون أن ينتصروا عليهم وهم متفرقون .
2 ـ موقف زعامة المدينة المنورة:
لم تكن زعامة المدينة المنورة، راضية عن هذه الثورة، فهناك أسرتان كبيرتان من المهاجرين عارضتا أهل المدينة، وهما ال الخطاب، وال هاشم وعلى رأس ال الخطاب شيخ الصحابة في زمانه وفقيههم عبد الله بن عمر، ومن ال هاشم عبد الله بن العباس وعلى بن الحسين ومحمد ابن الحنيفة .
3 ـ رأي بن تيمية:
وقلّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا وكان ما تولد على فعله من الشرّ أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة؛ فإنهم هزموا وهزم أصحابهم، فلا أقاموا دنيا، ولا أبقوا ديناً، والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل فيه صلاح الدين ولا صلاح الدنيا.. وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وغيرهم، ينهون عام الحرّة عن الخروج على يزيد .
4 ـ عناية المؤرخين بمعركة الحرّة:
لم تجـد معركة الحرّة من المؤرخين عناية وتحقيقاً، كما لاقى غيرها من الحوادث التي حصلت أيام يزيد بن معاوية، ولم يفرد المؤرخون المحدثون عنها أبحاثاً، كما أفردوا عن الحركات الأخرى، ولو قارنا بينها وبين حركة الحسين لوجدنا فرقاً كبيراً في النتائج، فمجموع ما قتل في معركة الحرّة أضعاف ما قتل مع الحسين، وقتل في معركة الحرّة رجال مشاهير لهم منزلة صحبة وجهاد؛ من هؤلاء: عبد الله بن زيد حاكي وضوء
رسول الله ﷺ ، ومعقل بن سنان ، وفيه يقول الشاعر:
أصبحتِ الأنصارُ تبكي سراتُها
وأشجعُ تبكي معقلَ بنَ سِنانِ
وعبد الله بن حنظلة الغسيل مع ثمانية من بنيه، وهؤلاء الرجال مكانتهم في الإسلام عالية، ومصيبة المسلمين فيهم عظيمة، وهي مصيبة تضاف إلى مصيبة المسلمين في الحسين رضي الله عنه، على مكانته وفضله وسيادته عند المسلمين، وهذا ما يجعل معركة الحرّة فاجعة كبيرة كما هي معركة كربلاء.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com