الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار (ج1)

(وفاة يزيد بن معاوية وخلافة معاوية بن يزيد)

الحلقة: الثانية والتسعون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1442 ه/ ديسمبر 2020

أولاً: وفاة يزيد بن معاوية:
في عام 64 هـ هلك يزيد بن معاوية، وكانت وفاته بقرية من قرى حمص يقال لها: حوّارين من أرض الشام، لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة 64 هـ، وهو ابن 38 سنة في قول بعضهم، وعن هشام بن الوليد المخزومي: أن الزهري كتب لجده أسنان الخلفاء، فكان فيما كتب من ذلك: ومات يزيد بن معاوية وهو ابن تسع وثلاثين، وكانت ولايته ثلاث سنين وستة أشهر في قول بعضهم، ويقال: ثمانية أشهر ، وعن أبي معشر أنه قال: توفي يزيد بن معاوية يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكانت خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر إلا ثماني ليالٍ، وصلى على يزيد ابنه معاوية بن يزيد ، وقيل: كانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر إلا أياماً ، وكان نقش خاتمه: ربنا الله .
ثانياً: خلافة معاوية بن يزيد:
معاوية بن يزيد: هو ثالث الخلفاء الأمويين، وكنيته أبو يزيد أو عبد الرحمن، أبوه يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة ، ويسمى معاوية الأصغر . ولد سنة 44 هـ ونشأ في بيت الخلافة، بويع له بالخلافة بعد موت أبيه، في رابع عشر ربيع الأول سنة أربع وستين هجرية، وكان رحمه الله أبيض شديد البياض، كثير الشعر، كبير العينين، جعد الشعر، أقنى الأنف، مدور الرأس، جميل الوجه، كثير شعر الوجه، دقيقه، حسن الجسم، وكان رجلاً صالحاً ناسكاً .
1 ـ مدة حكمه:
يختلف المؤرخون كثيراً في المدة التي حكمها معاوية بن يزيد، ويتراوح الخلاف بين عشرين يوماً وثلاثة أشهر، ويبدو أن مدة ثلاثة أشهر هي الأرجح، ويرجِّحُ بعض المؤرخين مدة الأربعين يوماً ، وكان مريضاً مدة ولايته، ولهذا لم يؤثر له عمل ما مدة خلافته، حتى الصلاة، فإن الضحاك بن قيس هو الذي كان يصلي بالناس، ويسيّر الأمور، وظل الضحاك يصلي بالناس حتى بعد وفاة معاوية، حتى استقر الأمر لمروان بالشام .
2 ـ تنازله عن الخلافة وتركه للأمر شورى:
ولما أحس معاوية بن يزيد بالموت نادى في الناس: الصلاة جامعة، وخطب فيهم، وكان مما قال: أيها الناس إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي، كما تركها الصديق لعمر، وإن شئتم تركتها شورى في ستة كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت أمركم، فولوا عليكم من يصلح لكم، ثم نزل ودخل منزله، فلم يخرج حتى مات رحمه الله تعالى ، قد أراد معاوية بن يزيد أن يقول لهم: إنه لم يجد مثل عمر، ولا مثل أهل الشورى، فترك لهم أمرهم يولون من يشاؤون، وقد جاء ذلك صريحاً في رواية أخرى للخطبة عند ابن الأثير قال فيها: أما بعد فإني ضعفت عن أمركم، فابتغيت مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم، فاختاروا له من أحببتم، ثم دخل منزله وتغيب حتى مات .
واعتبر هذا الموقف منه دليلاً على عدم رضاه عن تحويل الخلافة من الشورى إلى الوراثة ، فقد رفض أن يعهد لأحد من أهل بيته حينما قالوا له: اعهد إلى أحد من أهل بيتك، فقال: والله ما ذقت حلاوة خلافتكم، فكيف أتقلد وزرها، وتتعجلون أنتم حلاوتها، وأتعجل مرارتها ؟! اللهم أني بريء منها، مُتخلٍّ عنها ، وجاء في رواية: قيل له: ألا توصي؟ فقال: لا أتذوّق مرارتها وأترك حلاوتها لبني أمية .
وتعتبر حادثة تنازل معاوية بن يزيد عن الخلافة حادثة نادرة في التاريخ الإنساني، لقد عرفت استقالات، فيها إكراه مادي أو معنوي. أما أن ملكاً استقال، لأن في أمته من هو خير منه، فهذا ما لم نقع عليه، وأية محاسبة للنفس أرفع من هذه؟!
وإذا كان معاوية بن أبي سفيان أول الخلفاء الأمويين قد حول الخلافة من الشورى إلى الملك، فإن حفيده معاوية الثاني، ثالث خلفاء الأمويين أيضاً، قد أعاد الخلافة من الملك العضوض إلى الشورى الكاملة، وإنه لمما يستوجب الإنصاف أن تصاغ القضية على هذا النحو بدلاً من التركيز على الشق الأول الخاص بتوريث الخلافة فقط .
3 ـ كم كان عمره لما مات؟ ومن صلى عليه؟:
مات معاوية بن يزيد عن إحدى وعشرين سنة، وقيل: ثلاث وعشرين سنة وثمانية عشر يوماً. وقيل: تسع عشرة سنة. وقيل عشرين سنة. وقيل: ثلاث وعشرين سنة. وقيل: إنما عاش ثماني عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة. فالله أعلم. وصلى عليه أخوه خالد، وقيل: عثمان بن عنبسة. وقيل: الوليد بن عُتبة. وهذا هو الصحيح، فإنه أوصى إليه بذلك، وشهد دفنه مروان بن الحكم ، فلما فُرغ منه قال مروان: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: نعم، معاوية بن يزيد. فقال مروان: هو أبو ليلى الذي قال فيه أَزْنَمُ الفزاري:
إني أرى فتنةً تغلي مراجلُها
والملكُ بعد أبي ليلى لمن غَلَبَا

4 ـ أزمة خطيرة بعد وفاة معاوية بن يزيد:
كان معاوية بن يزيد قد أحدث أزمة خطيرة، فقد كان أخوه خالد بن يزيد صبياً صغيراً. وكان أمر ابن الزبير قد استفحل وبايع له الناس من أنحاء الدولة، فرأى فريق من جند الشام على رأسهم الضحاك بن قيس أمير دمشق أن يبايعوا لابن الزبير، وحتى مروان بن الحكم كبير بني أمية فكر في الذهاب إلى ابن الزبير ليبايعه ويأخذ منه الأمان، ولكن سائر الجند والقادة بزعامة حسان بن مالك زعيم القبائل اليمنية ـ الذين كانوا أقوى المؤيدين لبني أمية وهم أخوال يزيد ـ رفضوا أن يخرج الأمر عن بني أمية وأن يبايعوا لابن الزبير، فحدث خلاف شديد، ولبثت الشام ستة أشهر بدون إمام، وأخيراً اتفق القوم على أن يعقدوا مؤتمراً للشورى، يبحثون فيه عمن يصلح للخلافة ويصلوا في ذلك إلى قرار .
ويعتبر معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان اخر خلفاء الفرع السفياني، وانتقلت الخلافة بعده إلى الفرع الثاني من بني أمية المسمّى بالمروانيين، وأولهم مروان بن الحكم، ولا يُعد عند كثير من المحققين والمؤرخين خليفة، حيث يعتبرونه باغياً خرج على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير، وكذلك ولده عبد الملك لا يعتبر خليفة إلا بعد موت ابن الزبير، واجتماع المسلمين عليه ، وبوفاة معاوية بن يزيد انتهت الدولة السفيانية، وظهرت الدولة الزبيرية ولكنها لم تستمر، فقد استطاع بنو مروان القضاء عليها، وسيأتي التفصيل في الصفحات القادمة بإذن الله تعالى.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022