الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

فتوحات المهلب بن أبي صفرة في الشرق

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2)

الحلقة: 135

بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1442 ه/ يناير 2021

كوفأ المهلب بن أبي صفرة على إخلاصه للدولة وتفانيه في محاربة الخوارج أميراً على خراسان عام 78 هـ بناء على توصية الخليفة عبد الملك، فنزل العاصمة مرو، ثم أخذ يعيد الهدوء والأمن والنظام إلى البلاد، ولأول مرة بعد أربع عشرة سنة، تمّ إرسال جحافل المسلمين من جديد نحو الشرق إلى بلاد تركمان سنة 80 هـ، فعبر المهلب بنفسه نهر بلخ (سيحون) ونزل كش، ثم جعل يغزو البلاد غزواً متواصلاً لا يفتر عن الجهاد؛ فخيل له بسمرقند، وأخرى ببخارى، وثالثة بطخارستان، ورابعة ببست، وكان كلما فتح فتحاً أخرج الخمس لبيت المال وأرسله إلى الحجّاج، ويقسم الباقي بين أصحابه، وكان على مقدمته أبو الأدهم الزماني في ثلاثة الاف وهو في خمسة الاف.
ووجه المهلب ابنه يزيد إلى بلاد الختل وملكها الشبل، بناء على ترغيب ابن عم الملك، وفي بلاد الختل تمكن الملك الشبل من ابن عمه فقتله، أما يزيد بن المهلب، فقد استطاع تحقيق أهداف الحملة، فقد اضطره إلى المصالحة ودفع الفدية، بعد أن هزمه عسكرياً وقام بمضايقته في حصار قلعة الشبل، وأرسل ابنه الثاني حبيب إلى رابنجن، فوافى صاحب بخارى في أربعين ألفاً، فقام قسم من أهالي بخارى بالهروب والاختباء بإحدى القرى فاجتثهم وعاد حبيب إلى أبيه منتصراً.

1 ـ وفـاة المهلب:

كان المهلب من التابعين، فقد ولد عام الفتح الذي كان سنة ثمانٍ الهجرية، ومات سنة 82 هـ في ولاية خراسان، وكان يقال: ساد الأحنف بحلمه، ومالك بن مسمع بمحبته للعشيرة، وقتيبة بدهائه، ساد المهلب بهذه الخلال جميعاً. وكان سيداً جليلاً نبيلاً خطيباً شجاعاً فقيهاً، وكان على جانب عظيم من السخاء والكرم، ومما يدل على كرمه أنه أقبل يوماً في بعض غزواته فتلقته امرأة فقالت له: أيها الأمير ! إني نذرت إن أقبلت سالماً أن أصوم شهراً وتهب لي جارية وألف درهم، فضحك المهلّب، وقال: قد وفينا نذرك فلا تعودي لمثله، فليس كل أحد يفي لك به . ووقف رجل فقال: أريد منك حُويجة. فقال المهلب: اطلب لها رُجيْلاً ـ يعني: أن مثلي لا يسأل إلا عن حاجة عظيمة.
وكان حليماً؛ ومن أخبار حلمه: أنه مرّ يوماً بالبصرة، فسمع رجلاً يقول: هذا أعور قد ساد الناس، ولو خرج إلى السوق لا يساوي أكثر من مئة درهم، فبعث إليه المهلب بمئة درهم وقال: لو زدتنا في الثمن زدناك في العطية. وكان قد فقئت عينه بسمرقند .
وكان بليغاً في كلامه حكيماً في آرائه، له كلمات لطيفة وإشارات مليحة تدل على مكارمه ورغبته في حسن السمعة والثناء الجميل، ومن ذلك قوله: الحياة خير من الموت، والثناء خير من الحياة، ولو أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن تكون لي أذن أسمع بها ما يقال فيَّ غداً إذا مت. وقيل يوماً للمهلّب: ما خير المجالس؟ فقال: ما بعد فيه مدى الطرف، وكثر فيه فائدة الجليس. وقال يوماً: أدنى أخلاق الشريف كتمان السر، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسرّ إليه .

2 ـ وصيتـه لأبنائـه حين حضرتـه الوفـاة:

دعا ابنه حبيباً ومن حضره من ولده، ودعا بسهام فحزمت، ثم قال: أفترونكم كاسريها مجتمعة؟ قالوا: لا. فقال: أفترونكم كاسريها متفرقة؟ قالوا: نعم. قال: فهكذا الجماعة، فأوصيكم بتقوى الله، وصلة الرحم، فإن صلة الرحم تنسئ في الأجل، وتثري المال وتكثر العدد، وأنهاكم عن القطيعة؛ فإن القطيعة تعقب النار وتورث الذلة والقلّة، فتحابوا وتواصلوا وأجمعوا أمركم لا تختلفوا، وتبارّوا تجتمع أموركم. إن بني الأم يختلفون؛ فكيف ببني العَلات؟ وعليكم بالطاعة والجماعة، وليكن فعالكم أفضل من قولكم، فإني أحبّ للرجل أن يكون لعمله فضل على لسانه، واتقوا الجواب وزلة اللِّسان، فإن الرجل تزلّ قدمه فينتعش من زلّته، ويزلّ لسانه فيهلك. اعرفوا لمن يغشاكم حقّه، فكفى بغدو الرجل ورواحه إليكم تذكرة له، واثروا الجود على البخل، وأحبوا العرب واصطنعوا العرف، فإن الرجل من العرب تَعده العِدة فيموت دونك، فكيف الصنيعة عنده؟! عليكم في الحرب بالأناة والمكيدة فإنها أنفع في الحرب من الشجاعة، وإذا كان اللقاء نزل القضاء، فإن أخذ الرجل بالحزم فظهر على عدوه قيل: أتى الأمر من وجهه ثم ظفر فَحُمد، وإن لم يظفر بعد الأناة قيل: ما فرّط ولا ضيّع، ولكن القضاء غالب، وعليكم بقراءة القران وتعلم السنن وأدب الصالحين، وإياكم والخفة وكثرة الكلام في مجالسكم
وبعد وفاة المهلب ولّى الحجّاج ابنه يزيد خراسان، فقام يزيد عام 84 هـ بفتح قلعة باذنجس ، التي كان ينزلها ينـزك، بعد أن وضع عليه العيون، وتأكد من خلو القلعة بخروج ينـزك منها، فسار إليها وحاصرها فتمَّ له فتحها، واستولى على ما فيها من الأموال والذخائر وكانت القلعة على جانب كبير من المنعة؛ بحيث إن صاحبها ينْزك كان يسجد لها ، وعزل الحجّاج يزيد بن المهلب وعيَّن أخاه المفضل على ولاية خراسان عام 85 هـ، فولي المفضل البلاد تسعة أشهر قام خلالها بغزو باذنجس، ففتحها وأصاب منها مغنماً، فقسم المغانم بين المقاتلين، فأصاب كل رجل منهم ثمانمئة درهم، ثم غزا المفضل اخرون وثومان، فظفر وغنم، وكان يقسم الأموال مباشرة لعدم وجود بيت مال عنده .
وفي عام 86 هـ عين الحجّاج قتيبة بن مسلم على خراسان ، وقبل الحديث عن قتيبة وفتوحاته لابد من الإشارة إلى فتوحات سجستان.

3 ـ سجستـان:

ولى الخليفة عبد الملك عليها: أمية بن عبد الملك بن خالد بن أسيد بن أبي العيص، فوجه هذا ابنه عبد الله فصالحه رتبيل القائم على ثلاثمئة ألف درهم، ولما بلغ الخليفة ذلك عزله، ثم ولى الحجّاج عام 78 هـ عبيد الله بن أبي بكرة فلبث سنة بلا غزو، وفي السنة التالية تحرك لمناجزة رتبيل الذي كان مصالحاً، ولكنه يؤدي الخراج حيناً ويمنع حيناً اخر، فقام عبيد الله بن أبي بكرة عام 79 هـ، ومضى إليه غازياً حتى دخل بلاده، فأصاب منها الغنائم وهدم الحصون وغلب على أرض من أراضيهم، وهرب أتباع رتبيل من الترك أمام جحافل المسلمين، حتى اقتربوا من عاصمتهم كابل، فأخذ الترك على المسلمين الشعاب والمسالك، فسُقط في أيدي المسلمين، حتى شعر الجنود المسلمون بالضيق والهلاك، مما دفع عبيد الله بن أبي بكرة إلى مصالحة رتبيل ليمكن المسلمين الخروج من أرض الترك سالمين .
وكان بين المقاتلين أحد الزهاد ممن يعشق الجهاد، ويعرف باسم شريح بن هانئ، فقام شريح ودعا الجنود إلى الاستمرار في القتال لطلب الشهادة، ومما جاء في دعوته: يا أهل الإسلام، من أراد منكم الشهادة فإليَّ. فاتبعه أُناس من المتطوعة وفرسان الناس، وأهل الحفاظ، فقاتلوا الترك حتى أصيبوا إلا قليلاً، وعادوا من بلاد رتبيل فاستقبلهم الناس بالأطعمة، فكان أحدهم إذا أكل وشبع مات.
وبذلك لم تحقق هذه الغزوة أهدافها العسكرية، مما دفع الحجّاج إلى استئذان الخليفة عبد الملك بإرسال جيش جديد ، يعيد للدولة هيبتها ومكانتها، فأعد الحجّاج في عام 80 هـ جيشاً قوياً من أهل الكوفة، بلغ عدد عسكره أربعين ألفاً، عشرون ألفاً من الكوفة، ومثلهم من البصرة، وتشجيعاً للجنود ورفعاً لروحهم المعنوية أعطاهم أعطياتهم مسبقة، وأنفق فيها الأموال، وأنجدهم بالخيل والسلاح، حتى سمي هذا الجيش (جيش الطواويس) فقـد بلغت الأموال التي أنفقهـا على تجهيزه سوى الأعطيات مليوني درهم، واختار لهذا الجيش الكبير عبد الرحمن بن الأشعث الذي سار بهم حتى وصل سجستان . وقد تحدثنا عن هذا الجيش وما قام به من حروب أهلية عند دراستنا لثورة عبد الرحمن بن الأشعث.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022