الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

تأملات في الآية الكريمة

{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 270

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1444ه/ أبريل 2023م

فلا تحتجوا بهم، فكل إنسان يُسأل عن كسبه وعمله، ولا حجة لكم يوم القيامة في قولكم إنهم كانوا هوداً أو نصارى، فلن ينفعكم نسبكم إليهم، ولن يقبل الله حجتكم، ولا تقولوا إننا كنا نحسب أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق كانوا هوداً أو نصارى، أي كانوا على غير دين الإسلام؛ لأن هذه حجة غير مقبولة، وهل أنتم أعلم أم الله سبحانه الذي يشهد بأنهم كانوا مسلمين.(1)

كما أن انتسابكم إليهم لن ينفعكم ما دامت عقائدكم وأعمالكم مخالفة لعقائدهم وأعمالهم.

وبهذا جرّدت الآيات الكريمة أهل الكتاب من جميع الحجج التي يحتجون بها وبينت أن صلتهم بالأنبياء السابقين مقطوعة، فلا صلة لهم بها البتة، لا في العقيدة، ولا في العبادة، ولا في الشريعة، ولا سبيل إلى الاتصال بهم إلا بالقرآن الكريم، والكتاب الذي لا ريبَّ فيه، فهو رسالة النبي الخاتم صلّى الله عليه وسلّم، رسالة الإسلام، دعوة الأنبياء والمرسلين جميعاً عليهم الصلاة والسلام.(2)

إنَّ القرآن الكريم يفصل بين الأبناء والآباء، وبين الخلف والسلف، وبين الأنبياء وذرياتهم، فالميزان في الجميع هو الاتباع لما بلغه أنبياؤه ورسله، فلا ينفع التغني بنسب ولا نسبة إلى نبي أو صحابي أو تابعي أو عالم أو رجل صالح، فالكلُّ له عمله ويُجزى بعمله.(3)

ويكرر الله سبحانه وتعالى أن كل امرئ بما كسب رهين، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ولهم ما كسبوا وعليكم ما اكتسبتم، وأنَّ خير الماضين ليس خيراً لكم، وأنّ شرهم ليس وزره عليكم، ولقد قال تعالى في ذلك: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} ]الإسراء:13[، وقال تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} ]الأنعام:164[، وقال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ]النجم:39[.(4)

إنَّ الانتساب وحده لا يكفي مهما كانت صحة النسب، فمن انتسب مثلاً إلى آل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو مخالف له صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به، فلا يغني عنه ذلك الانتساب شيئاً، كما صرح بذلك الرسول صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: يا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً.. يا عباس.. يا صفية...(5)

وما أكثر المتغنين في هذا الزمان بالأنساب والطوائف، وهم مخالفون لأصولهم وأجدادهم فيما كانوا عليه من متابعة للرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما عاب الله على بني إسرائيل الذين زعموا الانتساب إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم السّلام، وهم مخالفون لهم في التوحيد والدعوة والاستقامة على شرع الله تعالى، كل ذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً.(6)

مراجع الحلقة السبعون بعد المائتين:

( ) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (1/622).

(2) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (1/205).

(3) التدبر والبيان في تفسير القرآن بصحيح السنن، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، (2/332).

(4) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/432).

(5) التدبر والبيان في تفسير القرآن بصحيح السنن، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، (2/332).

(6) المرجع نفسه، (2/332).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022