تأملات في الآية الكريمة {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 268
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شوال 1444ه/ أبريل 2023م
لقد أمر الله تعالى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لليهود والنصارى الذين زعموا أنّ لهم مكانة خاصة عند الله تعالى، كما حكاها عنهم سبحانه في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} ]المائدة:18[.
1. قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ}
أي: أتجادلوننا في الله تعالى، وتدّعون أن لكم مكانة خاصة عنده وتزعمون أنكم أولى بالله منا من أجل أن نبيكم قبل نبينا وكتابكم قبل كتابنا.(1)
2. قوله تعالى: {وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}:
وقد أمر الله تعالى نبيه بأن يبين لهم أنه لا حاجة إلى المحاجة، ولذا أمره أن يقول {وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} فصِلَتُنا بالله واحدة وهو أنه ربنا جميعاً، وقد بيّن المماثلة في الصلة بالله تعالى لصلة الربوبية، وهي متحدة بمعنى الربوبية ولا تفاوت بينننا في هذا، فلستم أقرب إليه، ولا نحن أقرب من هذه الناحية.(2)
وهو خالقنا وخالقكم والمتصرّف فينا وفيكم وهو أعلم في تدبير خلقه وبمن يصلح للرسالة وبما ينسخ من الدين.(3)
ونبههم النبي صلّى الله عليه وسلّم بأمر ربه بأن التفاوت إنما هو بالأعمال ولذلك أمره تعالى بأن يقول لهم: وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ.
3. قوله تعالى: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}:
فأعمالنا بما فيها من خير ونفع تتحمل في ذاتها استحقاق جزائها، ولكم أعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وأن القرب إلى الله تعالى أو البعد، إنما هو بحسب الأعمال، فهي تقرب وهي تبعد، وهي التي يكون عليها الجزاء.(4)
4. قوله تعالى: {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}:
أي: في عبادته والتوجه إليه و"الإخلاص" تنقية الشيء من كل شائبة، والمعنى: أننا نخلص العبادة لله ولا نشوبها بشيء من الشرك.(5)
ومن تعريفات الإخلاص تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين، فالعمل لأجل الناس شرك، وترك العمل الصالح من أجل الناس رياء والإخلاص: المعافاة منهما.(6)
والإخلاص سرٌّ بين العبد وبين الله لا يعلمه ملك، فيكتبه ولا شيطان فيفسده، وفي الجملة الإخلاص حصن العبادة الحصين.(7)
وقد بيّنت الآية الكريمة أنه لا مجال للجدل في وحدانية الله وربوبيته {وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} ونحن محاسبون بأعمالنا وعليكم وزر أعمالكم ونحن متجردون له مخلصون لا نشرك به شيئاً ولا نرجو معه أحداً، وهذا الكلام تقرير لموقف المسلمين واعتقادهم وهو غير قابل للجدال والمحاجة واللجاج.(8)
ومن ثم يضرب السّياق عنه، وينتقل إلى مجال آخر من مجالات الجدل، وذكر زعم اليهود والنصارى بأن إبراهيم كان يهودياً أو كان نصرانياً.
مراجع الحلقة الثامنة و الستون بعد المائتين:
(1) تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (3/120-121).
(2) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/429).
(3) تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، محمد صالح المنجد، ص234.
(4) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/429).
(5) تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، محمد صالح المنجد، ص234.
(6) المرجع نفسه، ص234.
(7) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/430).
(8) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/119).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي