الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

تأملات في الآية الكريمة {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 266

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رمضان 1444ه/ أبريل 2023م

 

1. قول الطبري:

يعني الله تعالى بقوله: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ}: فإن صدق اليهود والنصارى بالله، وما أنزل إليكم، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم وأقروا بذلك، مثل ما صدقتم أنتم به أيها المؤمنون وأقررتم، فقد وفقوا ورشدوا ولزموا طريق الحق، واهتدوا، وهم حينئذ منكم وأنتم منهم بدخولهم في ملتكم بإقرارهم بذلك، فقد دلَّ الله تعالى بهذه الآية على أنه لم يقبل من أحد عملاً إلا الإيمان بهذه المعاني التي عدها قبلها. (1)

وهذه الكلمة من الله، وهذه الشهادة منه سبحانه، تسكب في قلب المؤمن الاعتزاز بما هو عليه، فهو وحده المهتدي ومن لا يؤمن بما يؤمن به فهو المشاق للحق والمعادي للهدى ولا على المؤمن من شقاق من لا يهتدي ولا يؤمن ولا عليه من كيده ومكره ولا عليه من جداله ومعارضته فالله سيتولاهم عنه، وهو كافيه وحسبه.(2)

وفي قوله {وَإِنْ تَوَلَّوْا}: وإن تولى هؤلاء الذين قالوا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} فأعرضوا، فلم يؤمنوا بمثل إيمانكم أيها المؤمنون بالله، وبما جاءت به الأنبياء وابتعثت به الرسل، وفرقوا بين رسل الله وبين الله ورسله فصدقوا ببعض وكفروا ببعض، فاعلموا أيها المؤمنون، أنهم إنما هم في عصيان وفراق وحرب لله ولرسوله ولكم.(3)

وقوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}: فسيكفيك الله يا محمد هؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} من اليهود والنصارى، إن هم تولوا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان أصحابك بالله، وبما أنزل إليك، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء غيرهم، وفرقوا بين الله ورسله إما بقتل السيف وإما بجلاء عن جوارك وغير ذلك من العقوبات.

فإن الله هو {السَّمِيعُ} لما يقولون لك بألسنتهم ويبدون لك بأفواههم من الجهل والدعاء إلى الكفر والمِلل الضالة، و{الْعَلِيمُ} بما يبطنون لك ولأصحابك والمؤمنين في أنفسهم من الحسد والبغضاء، ففعل الله بهم ذلك عاجلاً وأنجز وعده، فكفى نبيه صلّى الله عليه وسلّم بتسليطه إيّاه عليهم، حتى قتل بعضهم وأجلى بعضاً، وأذل بعضاً وأخزاه بالجزية والصغار.(4)

 

2. قول السعدي:

أيّ؛ فإن آمن أهل الكتاب بمثل ما آمنتم به يا معشر المؤمنين من جميع الرسل وجميع الكتب الذين أول من دخل فيهم وأولى خاتمهم، وأفضلهم محمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن، وأسلموا لله وحده، ولم يفرقوا بين أحد من الرسل {فَقَدِ اهْتَدَوْا} للصراط المستقيم الموصل لجنات النعيم، أي: فلا سبيل لهم إلى الهداية إلا بهذا الإيمان، لا كما زعموا بقولهم: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}، فزعموا أن الهداية خاصة بما كانوا عليه. (5)

و"الهدى": هو العلم بالحق والعمل به، وضده الضلال عن العلم، والضلال عن العمل بعد العلم، وهو الشقاق الذي كانوا عليه لما تولوا وأعرضوا، فالمُشاق هو الذي يكون في شقّ والله ورسوله في شقذ، ويلزم من المشاقة المحادة والعداوة البليغة التي من لوازمها بذل ما يقدرون عليه من أذية الرسول، فلهذا وعد الله رسوله أن يكفيه إياهم؛ لأنه السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، العليم بما بين أيديهم وما خلفهم بالغيب والشهادة، بالظواهر والبواطن، فإذا كان كذلك، كفاك الله شرهم وقد أنجز الله لرسوله وعده وسلطه عليهم، حتى قتل بعضهم، وسبى بعضهم، وأجلى بعضهم، وشردهم كل مشرد، ففيه معجزة من معجزات القرآن، وهو الإخبار بالشيء قبل وقوعه، فوقع طبق ما أخبر.(6)

هذا هو منهاج القرآن وكلام رب العالمين الواضح في الفصل بين الحق والباطل، فلا تشطير ولا ترقيع، فالحق حق والباطل باطل، فالحق ينبغي أن يؤخذ كله ولا يتنازل فيه عن شيء فبقدر ما يقع من التنازل بقدر ما ينطفئ نور الحق في نفس الفاعل، فلهذا أمر الله نبيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم أن لا يلتفت إلى اقتراحات اليهود والنصارى الباطلة وأن يلتزم بشرعه وما ألزمه الله به، وهكذا يبقى هذا المنهاج خالداً ما دامت السماوات والأرض.(7)

إنه ليس على المؤمن إلا أن يستقيم على طريقته، وأن يعتز بالحق المستمد مباشرة من ربه، وبالعلامة التي يضعها الله على أوليائه، فيُعرفون بها في الأرض.(8)

 

مراجع الحلقة السادسة و الستون بعد المائتين:

(1) تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (3/113).

(2) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/118).

(3) تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (3/113).

(4) تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (3/116).

(5) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص98.

(6) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص98.

(7) التدبر والبيان في تفسير القرآن بصحيح السنن، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، (2/319).

(8) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/118).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022