الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

تأملات في الآية الكريمة {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 263

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

25 رمضان 1444ه/ 16 أبريل 2023م

 

تفسر هذه الآية الكريمة {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}، وقد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به، واعلم أن الإيمان الذي هو تصديق القلب التام بهذه الأصول وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح - وهو بهذا الاعتبار - يدخل فيه الإسلام وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها، فهي من الإيمان وأثر من آثاره، فحيث أطلق الإيمان دخل فيها ما ذكر، وكذلك الإسلام إذا أطلق دخل فيه الإيمان، فإذا قرن بينهما كان الإيمان اسماً لما في القلب من الإقرار والتصديق، والإسلام اسم للأعمال الظاهرة، وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة.(1)

في قوله تعالى {قُولُوا}: أي بألسنتكم متواطئة عليها قلوبكم، وهذا القول التام المترتب عليه الثواب والجزاء، فكما أن النطق باللسان من دون اعتقاد القلب نفاق وكفر، فالقول الخالي من العمل عمل القلب عديم التأثير قليل الفائدة وإن كان العبد يؤجر عليه إذا كان خيراً ومعه أصل الإيمان لكن فرق بين القول المجرد والمقترن به عمل القلب. وفي قوله {قُولُوا}: إشارة إلى الإعلان بالعقيدة والصدع بها والدعوة لها، إذ هي أصل الدين وأساسه.

وفي قوله {آَمَنَّا}: ونحوه مما في صدور الفعل منسوباً إلى جميع الأمة، إشارة إلى أنه يجب على الأمة الاعتصام بحبل الله جميعاً، والحثّ على الائتلاف حين يكون داعمهم واحداً وعملهم متحداً، وفي ضمنه النهي عن الافتراق وفيه أن المؤمنين كالجسد الواحد.

وفي قوله {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ} أي: بأنه واجب الوجود واحد أحد، متصف بكل صفة كمال، منزّه عن كل نقص وعيب، مستحق لإفراده بالعبادة كلها وعدم الإشراك به في شيء بوجه من الوجوه.(2)

وفي قوله {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}: يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} فيدخل فيه الإيمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم من صفات الباري وصفات رسله واليوم الآخر والغيوب الماضية والمستقبلية، والإيمان بما تضمنه ذلك من الأحكام الشرعية الأمرية وأحكام الجزاء وغير ذلك.

وفي قوله {وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى}، فيه الإيمان بجميع الكتب على جميع الأنبياء والإيمان بالأنبياء عموماً وخصوصاً ما نصّ عليه في الآية لشرفهم ولإتيانهم بالشرائع الكبار، فالواجب في الإيمان بالكتب أن يؤمن بهم على وجه العموم والشمول ثم ما عرف منهم بالتفصيل وحب الإيمان به مفصلاً.(3)

وفي قوله: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ}: دلالة على أن عطية الدين هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية، لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال وغيره، بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والشرائع وفيه أن الأنبياء مبلغون عن الله ووسائط بينه وبين خلقه في تبليغ دينه، ليس لهم من الأمر شيء.

وفي قولهم {مِنْ رَبِّهِمْ}: إشارة إلى أنه من كمال ربوبيته لعبادة أن ينزل عليهم الكتب ويرسل إليهم الرسل، فلا تقتضي ربوبيته تركهم سدى ولا هملاً وإذا كان ما أوتي النبيون إنما هو من ربهم ففيه الفرق بين الأنبياء وبين من يدعي النبوة، وأنه يحصل الفرق بينهم بمجرد معرفة ما يدعون إليه، فالرسل لا يدعون إلا لخير ولا ينهون إلا من كل شر وكل واحد منهم يصدق الآخر ويشهد له بالحق من غير تخالف ولا تناقض لكونه من عند ربهم {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} وهذا بخلاف من ادعى النبوة، فلا بُدَّ أن يتناقضوا في أخبارهم وأوامرهم ونواهيهم كما يعلم ذلك من سير أحوال الجميع وعرف ما يدعون إليه.(4)

وفي قوله {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} أي: بل نؤمن بهم كلهم، هذه خاصية المسلمين التي انفردوا بها عن كل من يدعى أنه على دين، فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم وإن زعموا أنهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل، والكتب، فإنهم يكفرون بغيره فيفرقون بين الرسل، والكتب، بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون به، وينقض تكذيبهم تصديقهم، فإن الرسول الذي زعموا أنهم قد آمنوا به قد صدق سائر الرسل وخصوصاً محمداً صلّى الله عليه وسلّم، فإذا كذبوا محمداً فقد كذبوا رسولهم فيما أخبرهم به فيكون كفراً برسولهم.(5)

فلما بيّن تعالى جميع ما يؤمن به عموماً وخصوصاً، وكان القول لا يغني عن العمل، قال: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي: خاضعون لعظمته منقادون لعبادته بباطننا وظاهرنا مخلصون له العبادة بدليل تقديم المعمول وهو {لَهُ} على العامل وهو {مُسْلِمُونَ}.(6)

فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على إيجازها واختصارها على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

واشتملت على الإيمان بجميع الرسل وجميع الكتب وعلى التخصيص الدال على الفضل بعد التعميم وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله في ذلك، وعلى الفرق بين الرسل الصادقين ومن ادعى النبوة من الكاذبين، وعلى تعليم الباري عباده كيف يقولون، ورحمته وإحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والآخرة، فسبحان من جعل كتابه تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.(7)

 

مراجع الحلقة الثالثة و الستون بعد المائتين:

(1) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، (1/96).

(2) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، (1/96).

(3) المرجع نفسه، (1/96).

(4) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، (1/97).

(5) المرجع نفسه، (1/97).

(6) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص97.

(7) المرجع نفسه، ص97.

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022