تأملات في الآية الكريمة {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 261
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
23 رمضان 1444ه/ 14 أبريل 2023م
إنَّ اليهود كانوا كلما ذكرت محمدةٌ لإبراهيم وبنيه انتحلوها لأنفسهم وتفاخروا بها على غيرهم حتى ظنهم الناس أنهم هداة آبائهم وإن لم يهتدوا بهديهم، فردّ الله سبحانه وتعالى قولهم وقول غيرهم ممن كانوا يتفاخرون بأنهم سلالة إبراهيم وإسماعيل ولا يعملون عملهم ولا يسلكون مسلكهم وكانوا يحسبون مجرد النسب يكسبهم شرفاً وذكراً عند الله فقال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. (1)
الإشارة إلى هذه الجماعة الفاضلة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وذريتهم الذين اهتدوا بهديهم وقبسوا من نور الله بوصيتهم وهي {قَدْ خَلَتْ} أي مضت، وصارت في عبر التاريخ لهم ما كسبوه من خير فيكون عند الله جزاؤه، وعليكم معشر العرب أن تقتدوا بإبراهيم وتأخذوا بوصيته وأن تعبدوا إلهاً واحداً هو الله جلّ جلاله إن كنتم تنتمون إليه، فتجمعون بين شرف النسب وشرف الاتباع، والنسب وحده لا يغني فتيلاً من غير اتباع، وكذلك أنتم معشر اليهود ليس لكم أن تفخروا بأن هؤلاء آباؤكم وتلحقوا تاريخهم بتاريخكم، إلا أن تتبعوهم في الإخلاص لله رب العالمين والإسلام له، وإلا كنتم الخارجين عليهم المحاربين لمآثرهم وإن لم تجدّوا في اتباعهم فلكم جزاء فعلكم. (2)
ولذا قال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} أي لها ما كسبته مكسوباً إليها بقدره محسوباً لها في اليوم الآخر بجزائه، ويتضمن قوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} الجزء لهذا الكسب وهو خير {وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} إن عملتم مثل عملهم واتبعتم هديهم وأخذتم بوصيتهم، وكانت لكم شعاراً ودثاراً تتحلون به، وهذا حثّ على الاقتداء ودعوة إليه، فإن تجانفوا الإثم وتخالفوا الوصية فعليكم إثم ما تفعلون.
وإنكم لستم مسؤولون عن أفعالهم إن خيراً أو شراً فكذلك ليس لكم أن تدعوا أن عملهم عملكم ونسبهم نسبكم؛ لأنّكم انفصلتم بعملكم عنهم، ولذا قال تعالى: {وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وكذلك لا يكفيكم عملهم، إن خيراً فخيره لهم إلا تكونوا قد عملتهم مثل عملهم ولا تزر وازرة وزر أخرى.
إنَّ ملة إبراهيم عليه السّلام هي التوحيد، والطهارة من الوثنية هي لبّ الدين اصطفاه الله لنا، وهي الحق الذي لا ريب فيه، وهي مقياس الحق الذي يتميز به من الباطل، فمن آمن بها فقد اهتدى، ومن خالفها فقد ضل وغوى، وأهل الكتاب الذين حرفوا القول عن مواضعه وغيروا وبدلوا وخرجوا عن المنهاج وتركوا ملة إبراهيم يزعمون أن ما عندهم حق وهداية، فضلّت أفهامهم، وزعم اليهود أن في يهوديتهم السلامة وزعم النصارى بنصرانيتهم الوثنية أنّها الهداية وكلٌ في غيّهم يعمهون.(3)
مراجع الحلقة الحادية و الستون بعد المائتين:
(1) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/420).
(2) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/420).
(3) المرجع نفسه، (1/421).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي