(مقاومة ضغوط الحياة)
اقتباسات من كتاب "فقه الحياة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: الثامنة
ذو الحجة 1444ه/ يونيو 2023م
لو تخيَّلنا أن الضغوط تقابل «الحرية الذاتية»، والحرية ليست لفظًا عائمًا، أو الحرية السياسية فقط، فهي تخلُّصك من التأثيرات السلبية عليك، فلا تُمكِّن أعداءك -بل وغير أعدائك- من أن يؤثِّروا على ما في داخلك.
إن الحرية معناها التخلُّص من ردَّات الفعل السلبية تجاه أي شيء كان، سواء كانت باتجاه ما يريد، أو باتجاه عكسي، فحاول أن تمسك منطقة الوسط، فلا تتأثَّر سلبًا باتجاه أن تنحاز إلى هذا الشخص بناءً على ضغط، أو تبتعد عنه أيضًا بناءً على ضغط، فقدرتُك على أن تمسك مكانك بدون انحياز إلى يمين أو شمال.. هذه هي الحرية، وهذا أساس التخلُّص من الضغوط.
إن الحرية تعني التخلص مِن أن تكون مملوكًا لطمع، كالطمع في المال، نعم كلُّنا نحتاج المال، لكن لا أجعل حاجتي للمال تقحمني في مكسب محرم، ولا موقف أبيع فيه عزة نفسي وكرامتها التي وهبها الله لي.
وكذا للتحرر مِن سلطة العادات السيئة أهمية في الخلاص من الضغوط، فيحرص الإنسان على أن يُحافظ على هذا المعنى المقدَّس، وهو معنى الحرية بهذا المفهوم الأخلاقي، والمفهوم الذاتي الذي تكسبه من ذاتك، ولا تكسبه من الآخرين.
إن قيمة الإنسان فيما يُحْسِن، وفيما يملِك.
فالقراءة ثقافة تمنحك قَدْرًا كبيرًا من القوة الذاتية، وتمنحك الحريةَ والقدرةَ على الخلاص من الضغوط.
وكذا يتعلَّم الإنسان كيف يحافظ على حرِّيَّته الذاتية، فلا يخضع لردود الأفعال، بل يعيش كما هو، وليس كما يريد الأقربون أو الأبعدون.
ومن ذلك المصالحة مع النفس، فيكون واضحًا ومتصالحًا مع نفسه، ويُمثِّل نفسه بمصداقية تامَّة قَدْرَ المستطاع.
فهذه الأشياء من شأنها أن تجعل ذاتيتك قادرة على مقاومة كثير من الضغوط.
وقبل ذلك الركون إلى الله سبحانه وتعالى والإيمان به، وهذا يمنحك التعايش مع الحياة، فتعرف اللهَ بأسمائه وصفاته.. الله الرحيم.. الله اللطيف.. الله الكريم.. الله الجواد.. الله المحسن إلى عباده.. ولا شك أن التعرف إلى الله سبحانه وتعالى بهذه الأسماء وغيرها، واستشعار قُرْبِ رحمته ومعيَّته، وحبِّه الخيرَ لعباده، مصدرُ طمأنينةٍ وسكونٍ وسعادة.
ولا تسمح للضغوط أن تَسرِق منك سكينتك، أو تخطف منك سعادتك، بحيث تتحوَّل إلى إنسان غضبي أو انفعالي أو حادٍّ، فحافِظ على الهدوء والسكينة في كل الظروف، وهذا أمر يمكن للإنسان أن يكتسبه بالتعلَّم.
والنبي ﷺ ذكر أن الذي يقول عند النوم: «سبحان الله، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر أربعًا وثلاثين مرة»() تكون سببًا في قوة البدن، وقوة الروح، والنبي ﷺ ذكره لبنته فاطمة، وزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فكانا يستعينان به على تعب الحياة وضغوطها.
كما أن مِن وسائل مقاومة الضغوط: محاصرتها في مكانها، فهموم العمل يبقى بين جدرانه، والبيت لا ذنب له حتى تنقل إليه قلق العمل ومشاكله، فلا تنقل همومه إلى بيتك، وعِشْ راحتك مع أهلك من خلال جلسة، واستراحة، واسترخاء، وقراءة، ومتعة، وأكل، وشرب.. ولا تسمح لمتاعب العمل أن تنتقل معك إلى حيث انتقلت، وهذه قضية ضرورية من أجل المحافظة على بقائك واستمرارك.
ومن ذلك: تَقَبُّل الدعم الخارجي ومساندة الآخرين لك واستماعهم إليك، بدلًا من أن تكون مُخْرَجات الضغط وإفرازاته أن تغضب على زوجتك، بل اجعل من زوجتك سَنَدًا تحدِّثها، ومعينًا تعينك على كثير من الضغوط.
وإن من ضروريات الحياة وجود الأصدقاء نسأل الله ألا يعدمنا وجودَهم، فلولا فضلُ اللهِ سبحانه وتعالى بوجودهم ومَنْحِهم إيَّانا، لكان الإنسان يعطش في هذا الهجير فلا يجد من يسقيه، ويموت فلا يجد مَن يذرف عليه دمعة، وبقدر ما في هذه الحياة من كبدٍ وعناء، إلا أن الله أهدانا بفضله وجميل عطائه أولئك الأصدقاء الذين نجدهم في الحياة.
فكون الإنسان يجد مَن يتحدث إليه، وقد يسمع منه رأيًا أو نصيحة أو مشورة، أو مساندة؛ مما يبدد الضغوط ويخففها.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 28-30